عوده الي الصفحه الرئيسيه

القران الكريم اون لاين

قصه حياه ابو بكر الصديق اول الخلفاء الراشدين 2

إرسال البعوث إلى المرتدين شعبان سنة 11هـ (تشرين الأول أكتوبر سنة 632 م).

- لما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءتهم صدقات كثيرة تفضل عنهم نظم أبو بكر البعوث، وعقد الألوية فعقد أحد عشر لواء. وفيما يلي أسماء القواد ووجهتهم:

- 1 - خالد بن الوليد: سار إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له.

- 2 - عكرمة بن أبي جهل: إلى مسيلمة.

- 3 - المهاجر بن أبي أمية: إلى جنود العنسي ومعون الأبناء على قيس بن المكشوح ثم يمضي إلى كِندة بحضر موت.

- 4 - خالد بن سعيد إلى مشارف الشام.

- 5 - عمرو بن العاص: إلى قضاعة ووديعة.

- 6 - حذيفة بن محصن الغلفاني: إلى أهل دبا.

- 7 - عرفجة بن هيثنة: إلى مهرة.

- 8 - شرحبيل بن حسنة: في أثر عكرمة بن أبي جهل فإذا فرغ من اليمامة لحق بخيله إلى قضاعة.

- 9 - معن بن حاجز: إلى بني سليم ومن معهم من هوازن.

- 10 - سويد بن مقرن: إلى تهامة باليمن.

- 11 - العلاء بن الحضرمي: إلى البحرين.

هؤلاء هم القواد الذي اختارهم أبو بكر لقتال أهل الردة وعقد لكل واحد منهم لواء ومن هذا يتبين أنهم أرسلوا إلى جميع العرب الذين كانوا قد ارتدوا، فما أصعب مهمة أبي بكر ومهمة قواده الذين كلفوا بإخضاع المرتدين وإعادتهم إلى لواء الإسلام، ولم يبق بالمدينة غير قوة صغيرة. وبقي أبو بكر في المدينة ولم يبعث عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والزبير مع كفايتهم الحربية، بل أبقاهم معه لاستشارتهم.

فصلت الأمراء من ذي القصة ونزلوا على قصدهم فلحق بكل أمير جنده وقد عهد إليهم عهده وكتب إلى من بعث إليه من جميع المرتدين.

وهذا نص الكتاب الذي أرسله أبو بكر إلى المرتدين من العرب وأعطى كل أمير نسخة منه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

(من أبي بكر حليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه. سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. نقر بما جاء به ونكفر من أبى ونجاهده).

(أما بعد فإن اللّه أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين. فهدى اللّه بالحق من أجاب إليه وضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعا أو كرها، ثم توفى اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم وقد نفذ أمر اللّه ونصح لأمته وقضى الذي عليه. وكان اللّه قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل، فقال {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر 30، وقال {و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون} الأنبياء 34، وقال للمؤمنين {و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر اللّه شيئا وسيجزي اللّه الشاكرين} آل عمران 114، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد اللّه وحده لا شريك له فإن اللّه له بالمرصاد، حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم. حافظ لأمره، منتقم من عدوه يجزيه، وإني أوصيكم بتقوى اللّه وحظكم ونصيبكم من اللّه، وما جاءكم به نبيكم صلى اللّه عليه وسلم وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين اللّه فإن كل من لم يهده اللّه ضال وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه اللّه مخذول، فمن هداه اللّه كان مهتديا ومن أضله كان ضالا. قال اللّه تعالى {من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} الكهف 17، ولم يقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل.و قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا باللّه وجهالة بأمره وإجابة للشيطان. قال اللّه تعالى {و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه. أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو. بئس للظالمين بدلا} الكهف 51. وقال: {إن الشيطان كان لكم عدو فاتخذوه عدوا. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} فاطر 6، وإني بعثت إليكم (فلانا) في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية اللّه فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه. ومن أبى أمرته أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة، ويسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز اللّه. وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم. والداعية الأذان. فإذا أذن المسلمون فأذنوا فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا اسألوهم ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا اقبلوا منهم واحملوهم على ما ينبغي لهم).

هذا إعلان عام للمرتدين وقد أمرهم بالخضوع والعودة إلى الإسلام حالا بمجرد الدعوة وإلا كان كل أمير في حل من قتل من أبى وحرقه واستعمال الشدة معه وسبي الذراري والنساء.

وأعطى لكل قائد عهدا بوصية بما يجب عليه أن يتبعه ويسلكه للقيام بالمهمة التي عهد إليه بها. وهذا نص العهد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

(هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لفلان" حين بعثه لقتال من رجع عن الإسلام وعهد إليه أن يتقي اللّه ما استطاع في أمره كله. سره وعلانيته.و أمره بالجد في أمر اللّه ومجاهدة من تولى عنه ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام، فإن أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شنغارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم، فمن أجاب إلى أمر اللّه عز وجل قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف. إنما يقاتل بالمعروف وإنما يقتل من كفر باللّه على الإقرار بما جاء من عند اللّه فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان اللّه حسيبه بعد فما استيسر به. ومنلم يجب داعية اللّه قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مرغمه لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلا الإسلام. فمن أجابه وأقر قبل منه وعلمه، ومن أبى قاتله. فإن أظهره اللّه عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران. ثم قسم ما أفاء اللّه عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وأن لا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيونا ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول).

موقعة بزاخة وفرار طليحة إلى الشام.

- وجه أبو بكر خالد بن الوليد لمحاربة طليحة فإذا فرغ من قتاله سار إلى مالك بن نويرة بالبُطاح(1).

وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم(2) قبل خالد بن الوليد إلى طيء وأَتْبعه خالدا وأمره أن يبدأ بطيء ومنهم يسير إلى بُزَاخة ثم إلى البطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له وأظهر للناس أنه خارج بجيش إلى خيبر حتى يلاقي خالدا وذلك بقصد إرهاب العدو.

قدم عدي بن حاتم إلى طيء كما أمره أبو بكر ليدعوهم إلى الإسلام قبل أن يحاربهم خالد. فلما دعاهم وخوفهم طلبوا إليه أن يتوسط في تأخير الجيش عنهم ثلاثة أيام حتى يتمكنوا من سحب من انضم إليهم إلى طليحة بن خويلد الأسدي لئلا يقتلهم. فعاد عدي وأخبر خالدا بالخبر وتأخر وأرسلت طيء إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم فعادت طيء إلى خالد بإسلامهم.

بعد ذلك هم خالد بالرحيل إلى جَديلة(3) فاستمهله عدي أيضا ريثما يكلمهم. فذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام فلم يزل بهم حتى أجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم وكان خير مولود في أرض طيء وأعظمه بركة عليهم لأنه كفاهم شر القتال بدخولهم في الإسلام وأفاد جيش المسلمين وأراحهم من قتالهم وأفادهم بما انضم إليهم منهم، وفي الحقيقة فإن الخدمة التي أداها عدي بن حاتم للطرفين جليلة لا تقدر.

وكان خالد قد أرسل عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعة فلقيها حبال أخو طليحة فقتلاه فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة فقتل سلمة فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا. فلما أقبل خالد بجيشه رأوا عكاشة وثابتا عكاشة قتيلين فتحرج المسلمون لذلك وقالوا قتل سيدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم.

سار خالد بجيشه إلى بزاخة والتقى بجيش طليحة فتقاتلوا قتالا شديدا وطليحة ملتف في كسائه يتنبأ لهم. وكان عيينة بن حِصْن(4) يقاتل مع طليحة في 700 من بني فزارة قتالا شديدا.

ولما اشتدت الحرب كر عيينة بن محصن على طليحة وقال له: هل جاءك جبريل؟ قال لا. فرجع فقاتل ثم عاد إلى طليحة فقال له لا أبالك هل جاءك جبريل؟ قال لا فقال عيينة حتى متى؟ قد واللّه بلغ منا. ثم رجع فقاتل قتالا شديدا. ثم كر على طليحة. فقال هل جاءك جبريل؟ فقال نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن لك رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة قد علم اللّه أنه سيكون حديث لا تنساه. (انصرفوا بني فزارة فإنه كذاب) فانصرفوا، وانهزم الناس.

وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلة لامرأته (النوار) فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال:

(يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل) ثم انهزم فلحق بالشام ثم نزل على كلب وأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر وكان قد خرج معتمرا، ومر بجنبات المدينة؛ فقيل لأبي بكر: هذا طليحة فقال: ماذا أصنع به قد أسلم؟

ولما أوقع اللّه بطليحة وفزارة ما أوقع أقبل أولئك يقولون: ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن باللّه ورسوله ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا. وقد بايع خالد من خضع وأسلم من القبائل، وهذا نص البيعة:

(عليكم عهد اللّه وميثاقه، لتؤمنن باللّه ورسوله، ولتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم).

ولم يقبل من أحد من أسد، وغطفان، وطيء، وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على الإسلام في حال ردتهم فأتوا بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكسهم في الآبار وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة بن هبيرة ونفرا معه وزهيرا موثقين.

أم زمل بنت مالك بن حذيفة بن بدر فكانت قد سبيت أيام أمها أم قرفة(5)، فوقعت لعائشة فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت، واجتمع إليها الفل، فإمرتهم بالقتال، وكثف جمعها، وعظمت شوكتها. فلما بلغ خالدا أمرها سار إليها فاقتتلوا قتالا شديدا أول يوم وهي واقفة على جمل كان لأمها وهي في مثل عزها فاجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها، وقتل حول الجمل مائة رجل، وبعث خالد بالفتح إلى أبي بكر.

-------------------

(1) البطاح: ماء في ديار أسد بن خزيمة.

(2) عدي بن حاتم الطائي الذي يضرب بأبيه المثل في الجود، وقد وفد عدي على النبي صلى اللّه عليه وسلم سنة تسع في شعبان فأسلم وكان نصرانياً ووفد على أبي بكر في الردة بصدقات قومه وثبت على الإسلام ولم يرتد وكان جواداً شريفاً في قومه معظماً عندهم وعند غيرهم. حاضر الجواب وكان يفت الخبز للنمل ويقول إنهن جارات ولهن حق. توفي سنة 67 هـ.

(3) بطن من بطون طيء.

(4) عيينة بن حصن يكنى أبا مالك أسلم بعد الفتح. وقيل أسلم قبل الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة، وارتد. وكان عيينة في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة ألاف وتزوج عثمان بن عفان زوجته.

(5) راجع أم قرفة في كتاب محمد رسول اللّه للمؤلف ص 307 و308.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسر عيينة بن حصن

- كان خالد بن الوليد أسر عيينة بن حصن فقدم به إلى أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللّه أكفرت بعد إيمانك؟ فيقول ما آمنت باللّه طرفة عين فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه.

مثال من كلام طليحة

- وأخذ من أصحاب طليحة رجلا كان عالما به فسأله خالد عما كان يقول فقال: إن مما أتي به:

(والحمامِ واليَمَام، والصُّرَدِ والصًّوام(1)، قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغنَّ مُلْكنا العراق والشام) ولم يبلغ ملك طليحة لا العراق ولا الشام بل هو الذي فر إلى الشام.

ويغلب على ظني أن خالدا لما سمع هذا السجع السخيف لم يتمالك من الضحك مع أن طليحة كان شاعراً.

-------------------

(1) الصرد وزان عمر: نوع من الغربان، ورجل صائم وصوام مبالغة.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هزيمة بني تميم وقصة مالك بن نُوَيرة.

- بعد أن أخضع خالد بن الوليد القبائل التي تقطن التلال الواقعة شمالي المدينة سار لقتال بني تميم بهضبة عند الخليج الفارسي وهم قسمان: نصارى وعباد أصنام منتشرون في المراعي الواسعة بين اليمامة ومصب الفرات، وكانوا قد أسلموا في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم كسائر القبائل العربية وفرق فيهم عماله، فكان الزبرقان منهم وسهيل بن منجاب وقيس بن عاصم وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمر ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة. ثم ارتدوا ومنعوا الزكاة بعد وفاة رسول اللّه ولما تولى أبو بكر الخلافة وانتصر في أول موقعة له سار صفوان بن صفوان إلى أبي بكر بصدقات بني عمرو إلا أنه في هذه الأثناء تشاغلت تميم بعضها ببعض، وبينما هم كذلك جاءتهم سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود ربيعة ومعها الهذيل بن عمران في بني تغلب وكان نصرانيا فترك دينه وتبعها، كما أن سجاح كانت قد اعتنقت الديانة المسيحية قبل أن تتنبأ ومعها عقة بن هلال في النمر وزياد بن فلان في إياد والسليل بن قيس في شيبان، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم.

وكانت سجاح تريد غزو المدينة، فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة فأجابها إلا أن قبائل تميم الأخرى أبوا اتباعها، وحاربوها في عدة مواقع فانهزمت هي ومالك، وبعد أن صالحتهم وبادلتهم الأسرى سارت في جنود الجزيرة قاصدة اليمامة وقالت:

(عليكم باليمامة ودفُوُّا(1) دفيف الحمامة. فإنها غزوة صَرَّامة(2) لا يلحقكم بعدها ملامة).

وكانت سجاح تريد مهاجمة مسيلمة، فقصدت بني حنيفة. فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بن حسنة والقبائل التي حولهم على حجر وهي اليمامة فأهدى لهم ثم أرسل يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فجاءها في أربعين من بني حنيفة. فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد اللّه عليك النصف الذي ردت قريش.

واجتمع مسيلمة بسجاح وضرب لها قبة وتزوجها وصالحها على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك النصف، فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة وخلفت الهذيل وعقبة وزيادا لأخذ النصف الباقي فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فانفضوا، ويلاحظ أن سجاح لم تقم مع زوجها مسيلمة الذي آمنت به، بل تركته وعادت إلى الجزيرة.

أما مالك بن نويرة فإنه ندم على ما فعل لاتباعه سجاح وتحير في أمره وسار خالد بن الوليد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان وأسد وطيء يريد البطاح، وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره. وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا فتركهم خالد ومضى، وندمت الأنصار ولحقوه ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد فيها أحدا، وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع فلما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب، وإن امتنع أن يقتلوه. فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع. وكان فيهم أبو قتادة، فشهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا. وقال قوم إنهم لم يفعلوا ذلك. فلما اختلفوا في أمرهم أمر خالد بن الوليد بحبسهم فحبسوا في ليلة باردة وأمر مناديا فنادى أدفئوا أسراكم، وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكا، وسمع خالد الداعية(3) فخرج وقد فرغوا منهم فقال: (إذا أراد اللّه أمرا أصابه).

-------------------

(1) دفوا: أسرعوا.

(2) صرامة: قاطعة.

(3) الداعية: الصراخ.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زواج خالد

- تزوج خالد أم تميم امرأة خالد بن نويرة. ولما وصل الخبر إلى المدينة قال عمر لأبي بكر إن سيف خالد فيه رهق(1) وأكثرعليه في ذلك. فقال يا عمر: (تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم(2) سيفا سلَّه اللّه على الكافرين) ووَدَى مالكاً(3)، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ودخل المسجد وعليه قباء(4) وقد غرز في عمامته أسهما، فقام عمر فنزعها وحطمها، وقال له: قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته(5) واللّه لأرجمنك بأحجارك وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره، وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهته أيام الحرب فخرج خالد وعمر جالس. فقال: هلم إلي يا ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه. وقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر يطالب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكا من بيت المال. غير أن سير ويليام موير يقول في كتابه (الخلافة) طبعة 1924 صفحة 26(6) إن أبا بكر أمر برد الأسرى لكنه رفض أن يدي مالكا من غير أن يشير إلى المصدر الذي استند إليه في الرفض، وهذا يخالف ما جاء في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير وأسد الغابة. فقد ورد في هذه المراجع أن أبا بكر أمر برد السبي وودى مالكا. وقد كانت زوجة مالك بن نويرة غاية الجمال. وكان خالد بن الوليد يحبها فقتل زوجها مالكا ليتزوجها مع أنه أقر بالإسلام. وقال مالك عندما أمر خالد بقتله: (إن هذه التي قتلتني) يريد زوجته، وهذا الذي استوجب غضب عمر على خالد. وكان يريد أن يرجمه باعتباره زانيا.

وفي زواج خالد بزوجة مالك بن نميرة يقول أبو نمير السعدي:

ألا أقل لحي أوطئوا بالسنابك تطاول هذا الليل من بعد مالك

قضى خالد بغيا عليه بعرسه وكان هوى فيها قبل ذلك

فأمضى هواه خالد غير عاطف عنان الهوى عنها ولا متمالك

فأصبح ذا أهل وأصبح مالك إلى غير أهل هالكا في الهوالك(7) (8).

كان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد اللّه أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا مسلمون. فقالوا ونحن مسلمون. قلنا فما بال السلاح معكم؟ قالوا فما بال السلاح معكم؟ قلنا فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح. قال فوضعوها ثم صلينا وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله أنه كان يقول كذا وكذا. قال أو ما تعده لك صاحبا؟ ثم قدمه وضرب عنقه وعنق أصحابه.

-------------------

(1) الرهق: غشيان المحارم.

(2) لا أشيم: لا أغمد سيفاً.

(3) دفع ديته (المصحح).

(4) قباء ثوب يلبس فوق الثياب، وقيل يلبس فوق القميص ويتمنطق عليه ج أقبية.

(5) نزا: وثب.

(6) Muir 'Sir William' - The Caliphate (924) Page 26

(7) راجع تاريخ أبي الفداء.

(8) نستبعد صحة هذه الرواية. وليس كل ما ورد من الروايات في كتب التاريخ صحيحاً. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اللّه اللّه في أصحابي لا تتخذوهم هدفاً... أي اتقوا اللّه في أصحابي لا تؤذوهم. ونحن نميل إلى اختيار الروايات التي تنزه الصحابة جميعاً رضي اللّه عنهم وغفر لهم. (المنقح).

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقعة اليمامة آخر سنة 11هـ وبدء سنة 633 م.

- كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة. واليمامة موطن بني حنيفة في وسط شبه جزيرة العرب وفي اتجاه الشرق قليلا. الشرق منها يوالي البحرين وبني تميم، والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران، والشمال أرض نجد. وطول اليمامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة. بلاد نخل وزرع.

بلغ عدد جيوش مسيلمة 40.0000 مقاتل وهؤلاء هم الذين سار خالد لمحاربتهم.

كان مسيلمة رجلا صغير الجسم دميم الوجه له كفاءة تؤهله للزعامة. وكان قد قدم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في وفد بني حنيفة واجتمع برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم رجع إلى قومه وادعى أنه شريك رسول اللّه في النبوة، فاتبعه بنةو حنيفة. وكتب مسيلمة إلى رسول اللّه يذكر أنه شريكه في النبوة وأرسل كتابا مع رسولين فسألهما رسول اللّه عنه فصدقاه، فقال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما. وكان كتاب مسيلمة:

(من مسيلمة رسول اللّه إلى محمد رسول اللّه. أما بعد فإني أشركت معك في الأمر وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون).

فكتب إليه رسول اللّه:

(بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فالسلام على من اتبع الهدى فإن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).

فلما مات رسول اللّه وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة، وأتبعه شرحبيل بن حسنة فاستعجل وانهزم وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر، فكتب إليه أبو بكر:

(لا أرينك ولا تراني. لا ترجعن فتوهن الناس، امض إلى حذيفة وعرجفة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير أنت وجندك لا تستبرئون الناس حتى تلقى بها مهاجر بن أبي أمية(1) باليمن وحضرموت).

وكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.

فلما رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه فقبل عذره وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار (ثابت بن قيس بن شماس) وعلى المهاجرين (أبو حذيفة وزيد بن الخطاب) وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه. فلما وصلوا إليه سار إلى اليمامة بجيشه لملاقاة العدو.

ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء(2) وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرا لهم في بني عامر - فلم يكن يقصد قتال المسلمين - فأخذه المسلمون وأصحابه وقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة وكانوا ما بين أربعين إلى ستين وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره.

وفي صباح اليوم التالي التقى الجيشان بسهل عقرباء وقال شرحبيل بن مسيلمة: (يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير خطيبات. فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم) فاقتتلوا بعقرباء.

وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حنيفة.

وكانت مع عبد اللّه بن حفص بن غانم فقتل فقالوا لسالم (نخشى عليك من نفسك) فقال (بئس حامل القرآن أنا إذا).

وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكان أول من لقي المسلمين نَهَار الرَّجَّال بن عُنْفُوَة(3)، فقتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا مجاعة وهو عند زوجة خالد يحرسها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال (أنا لها جار) فتركوها، وقال لهم (عليكم بالرجال) فقطعوا الفسطاط وحاق الخطر بالمسلمين في هذه الساعة وأخذ بعضهم يحث على القتال ويستفز الهمم. فقال ثابت بن قيس:

(بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين. اللّهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني أهل اليمامة - وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين ثم قاتل حتى قتل.

وقال زيد بن الخطاب:

(لا تحوز بعد الرجال. واللّه لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم، أو أقتل فأكلمه بحجتي. غضوا أبصاركم. وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدما).

وقال أبو حذيفة:

(يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال).

وقد كانت لهذه الكلمات الحماسية أثرها في النفوس فحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وقاتل العدو قتال المستميت. وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين، وتارة ابني حنيفة. وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من كبار المسلمين.

ولما رأى خالد ما الناس فيه واختلاط جيشه، أراد أن يميزهم لتدب فيهم روح الغيرة فقال:

(امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى).

وكان أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار، وجنبهم المهاجرين والأنصار. فلما امتازوا قال بعضهم لبعض (اليوم يستحى من الفرار) فما رئي يوم أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في البوادي.

وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، وأدرك خالد أن الحالة لا تهدأ إلا إذا قتل مسيلمة فحمل عليهم ودعا إلى البراز ونادى بشعار المسلمين يومئذ وكان (يا محمداه) فلم يبرز إليه أحد إلا قتله، وحمل على مسيلمة ففر وفر أصحابه، وصاح خالد في الناس فهجموا عليهم فكانت الهزيمة، ونادى المحكم بن الطفيل وهو أحد قواد بني حنيفة المشهورين (يا بني حنيفة الحديقة. الحديقة(4)) ثم رماه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بسهم فوضعه في نحره فقتله. وكان ممن دخل الحديقة مسيلمة. وقال البراء بن مالك (يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة) فتردد المسلمون خوفا عليه. ثم احتملوه فألقوه. فلما أشرف على الحديقة من الجدار اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة التي كانت مغلقة حتى فتحها للمسلمين فاندفع المسلمون إليها كالسيل الجارف، فأغلق الباب عليهم بعد دخولهم جميعا، ورمى بالمفتاح من وراء الجدار حتى لا يتمكن أحد من الخروج فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل مسيلمة. قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار كلاهما قد أصابه. ووحشي هذا هو قاتل حمزة كما تقدم في السيرة النبوية. فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة وأخذهم السيف من كل جانب حتى قتلوا عن آخرهم وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة وأخذ يكشف له عن جثث القتلى حتى عثر عليه. فقال مجاعة لخالد (ما جاءك إلا سرعان الناس(5) وإن جماهير الناس لفي الحصون). فقال ويلك ما تقول؟ قال هو واللّه الحق فهلم لأصالحك عن قومي، وكان خالد نهكته الحرب وأصيب معه من أشراف الناس من أصيب فقد رق وأحب الدعة والصلح. ثم قال مجاعة: (أنطلق إليهم فأشاورهم وننظر في هذا الأمر فأرجع إليك) فانطلق ودخل الحصون، وليس فيها إلا النساء والصبيان، ومشيخة فانية ورجال ضعفى فظاهر الحديد على النساء وأمرهن أن ينشرن شعورهن وأن يشرفن على رؤوس الحصون حتى يرجع إليهم ثم رجع فأتى فقال: قد أبوا ما صالحتك عليه وقد أشرف لك بعضهم نقضا علي وهم مني براء - فنظر خالد إلى رؤوس الحصون وقد اسودت - ولكن إن شئت صنعت شيئا فعزمت على القوم. قال ما هو؟ قال تأخذ مني ربع السبي وتدع ربعا. فقال قد فعلت. قال: قد صالحتك.فلما فرغ فتحت الحصون فإذا ليس فبها إلا النساء والصبيان والشيوخ فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني. قال: قومي ولم أستطع إلا ما صنعت.

وقيل صالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي ولما عرض هذا الصلح عارض قوم من بني حنيفة، ومنهم سلمة بن عمير الحنفي فإنه أبى إلا الحرب وتجنيد أهل القرى والعبيد غير أن مجاعة أصر على الصلح وكتب خالد كتاب الصلح وهذا نصه:

(هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجاعة بن مرارة وسلمة بن عمير وفلانا وفلانا: قاضاهم على الصفراء، والبيضاء(6) ونصف السبي والحلقة(7) والكراع(8) وحائط من كل قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان اللّه ولكم ذمة خالد بن الوليد، وذمة أبي بكر خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذمم المسلمين على الوفاء).

ثم وصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل محتلم لكنه وصل متأخرا لأن خالدا كان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر، والذي أوصل كتاب أبي بكر هو سلمة بن سلامة بن وقش.

وحشرت بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد، وخالد في عسكره.

-------------------

(1) المهاجر بن أبي أمية أخو أم سلمة زوج النبي صلى اللّه ع ليه وسلم. كان اسمه الوليد فسماه رسول اللّه المهاجر.

(2) عقرباء: منزل من أرض اليمامة في طريق النباح قريب من قرقرى من أعمال العِرْض وهو لقوم من بني عامر بن ربيعة وهي التي خرج إليها مسليمة لما بلغه مسير خالد إلى اليمامة فنزل بها لأنها في طريق اليمامة ودون الأموال وجعل ريف اليمامة وراء ظهره. النباح بين البصرة واليمامة.

وقرقرى أرض يمر بها قاصد اليمامة من البصرة فيها قرى وزروع ونخيل كثيرة. والعِرْض بكسر أوله وسكون ثانيه وادي اليمامة ويقال لكل واد فيه قرى ومياه عرض.

(3) نهار الرجال بن عنفوة كان قد هاجر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وفقه في الدين فبعثه معلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة. وليشدد من أمر المسلمين فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة. شهد له أنه سمع رسول اللّه يقول: أنه قد أشرك معه فصدقوه واستجابوا له.

(4) الحديقة هي بستان في أرض اليمامة لمسيلمة مسور بحائط قوي كانوا يسمونه "حديقة الرحمن" فسموه "حديقة الموت".

(5) سرعان الناس: أوائلهم.

(6) الذهب والفضة.

(7) السلاح.

(8) الكراع وزان غراب: الخيل.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محاولة اغتيال خالد

- لما اجتمعت بنو حنيفة للبيعة، قال سلمة بن عمير لمجاعة استأذن لي على خالد أكلمه في حاجة له عندي ونصيحة، وقد أراد أن يفتك به فأذن له. فأقبل سلمة بن عمير مشتملا على السيف يريد ما يريد. فقال خالد: من هذا المقبل؟ قال مجاعة: هذا الذي كلمتك فيه وقد أذنت له. قال: أخرجوه عني. فأخرجوه عنه ففتشوه فوجدوا معه السيف فلعنوه وشتموه وأوثقوه وقالوا: لقد أردت أن تهلك قومك، وايم اللّه ما أردت إلا تستأصل بنو حنيفة، وتسبى الذرية والنساء، وايم اللّه لو أن خالدا علم أنك حملت السلاح لقتلك وما نأمنه إن بلغه أن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت فأوثقوه وجعلوه في الحصن وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا عليه وعلى الإسلام.و عاهدهم سلمة على أن لا يحدث حدثا ويتركوه فأبوا ولم يثقوا بحمقه أن يقبلوا منه عهدا. فأفلت ليلا فعمد إلى عسكر خالد فصاح به الحرس وفزعت بنو حنيفة فأتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط، فشد عليهم بالسيف، فاكتنفوه بالحجارة، وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه(1).

-------------------

(1) الودج بفتح الدال والكسر لغة: عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة. والودجان عرقان غليظان يكتنفان ثغرة النحر يميناً ويساراً والجمع أوداج مثل سبب وأسباب.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زواج خالد للمرة الثانية

- تقدم عند ذكر قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تزوج أم تميم امرأة مالك بعد قتله، وأن أبا بكر لما استدعاه إليه عنفه على ذلك لكنه في هذه المرة أراد أن يتزوج أيضا بابنة مجاعة فعرض عليه ذلك. فقال له مجاعة: (مهلا إنك قاطع ظهري، وظهرك معي عند صاحبك) قال: أيها الرجل زوجني فزوجه. فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه كتابا شديد اللّهجة وهذا ما جاء فيه:

(لعمري يا ابن أم خال إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد).

فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: (هذا عمل الأعيسر يعني عمر بن الخطاب(1)).

ثم ذهب وفد من بني حنيفة إلى أبي بكر وقص عليه ما كان من أمر مسيلمة، وسألهم عن بعض أسجاع مسيلمة فقالوا له شيئا منها فقال (ويحكم إن هذا الكلام ما خرج إلا من إلّ ولا بِرّ فأين يذهب بكم)؟

خسائر بني حنيفة: قتل بعقرباء 7000، وبالحديقة نحو 7000، وفي الطلب نحو منها، وكانت موقعة عقرباء أعظم مواقع أهل الردة.

خسائر المسلمين: قتل من المهاجرين والأنصار من المدينة 360 ومن المهاجرين من غير المدينة 300 أو يزيدون عدا الجرحى.

--------------------

(1) راجع تعليقنا على زواج سيدنا خالد ص 56 (المنقح).

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسماء من قتل باليمامة من مشهوري الصحابة

1. أبو حبة بن غزية الأنصاري.

2. أبو دجانة الأنصاري.

3. أبو عقيل البلوي.

4. أبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي.جنادة بن عبد اللّه المطلبي القرشي.

5. زرارة بن قيس الأنصاري.

6. السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي.

7. السائب بن العوام أخو الزبير لأبويه سعد بن جماز الأنصاري.

8. سعد بن جماز الأنصاري.

9. سلمة بن مسعود بن سنان الأنصاري.

10. شجاع بن وهب الأسدي.

11. صفوان بن عمرو.

12. ضرار بن الأزور الأسدي.

13. الطفيل بن عمرو الدوسي.

14. عامر بن ثابت بن سلمة الأنصاري.

15. عائذ بن ماعص الأنصاري.

16. عباد بن بشر الأنصاري.

17. عباد بن الحارث الأنصاري.

18. عبد اللّه بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي.

19. عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي سلول.

20. عبد اللّه بن عتيك الأنصاري.

21. عبد اللّه بن مخرمة بن عبد العزى العامري.

22. علي بن عبيد اللّه بن الحارث.

23. عمارة بن حزم الأنصاري.

24. عمير بن أوس بن عتيك الأنصاري.

25. فروة بن النعمان.

26. قيس بن الحارث بن عدي الأنصاري.

27. مالك بن أمية السلمي.

28. مالك بن عمرو السلمي.

29. مالك بن أوس بن عتيك الأنصاري.

30. مسعود بن سنان الأسود.

31. معن بن عدي بن الجد البلوي.

32. النعمان بن عصر بن الربيع البلوي.

33. هريم بن عبد اللّه المطلبي القرشي.

34. ورقة بن إياس بن عمرو الأنصاري.

35. الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد.

36. يزيد بن أوس.

37. يزيد بن ثابت أخو زيد بن ثابت.

أسجاع مسيلمة

- كان مسيلمة يصانع قومه ويلاطفهم مع ادعائه النبوة ليلتفت قومه حوله وليكثر أتباعه وأنصاره، وقد ساعده على ذلك نهار الرجال بن عنفوة الذي كان قد هاجر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقرأ القرآن وفقه في الدين وبعثه معلما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، لكنه ما لبث أن انضم إلى مسيلمة وصدقه في الظاهر. لذلك قيل إنه كان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، وهو الذي شهد أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم شهد لمسيلمة أنه رسول اللّه. وقد اتفق المؤرخون على أن مسيلمة ادعى النبوة قبل وفاة رسول اللّه(1)، غير أن الأستاذ مرجوليث يزعم أنه تنبأ قبل مبعث رسول اللّه، وهذا من الغرابة بمكان وليس في التاريخ ما يؤيد زعمه. فما الذي ألجأه إلى ذلك؟ إن السبب الذي دعاه إلى ذلك هو نفس السبب الذي دفعه إلى الاعتراض والطعن في السيرة النبوية لتشويهها، إنه يريد أن يفهم القارئ أن رسول اللّه هو الذي قلد مسيلمة وحذا حذوه، فادعى النبوة، وهو يعلم حق العلم أن مسيلمة كذاب، وأنه مقلد طامع في الملك، ولهذا قدم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في وفد بني حنيفة وسأله أن يشركه معه في النبوة فأبى وحاول أن يضاهي القرآن تغريرا بعقول السذج من قومه فجاء كلامه سخيفا.

وإنا بعد ذلك نورد من أسجاعه ما عثرنا عليه ليتبين القارئ هذا المتنبئ ومبلغ علمه.

- 1 - والليل الدامس. والذئب الهامس(2). ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس.

- 2 - والليل الأطحم(3): والذئب الأدلم(4). والجذع الأزلم(5). ما انتهكت أسيد من محرم.

- 3 - إن بني تميم قوم طهر لقاح لا مكروه عليهم ولا إتاوة. نجاورهم ما حيينا بإحسان. نمنعهم من كل إنسان. فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن.

- 4 - والشاء وألوانها. وأعجبها السود وألبانها. والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض. وقد حرم المذق فما لكم لا تمجعون.

- 5 - يا ضفدع ابنة ضفدعين. نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين. لا الشارب تمنعين. ولا الماء تكدرين.

- 6 - والبذرات زرعا. والحاصدات حصدا. والذاريات قمحا. والطاحنات طحنا. والخابزات خبزا. والثاردات ثردا. واللاقمات لقما. إهالة وسمنا. لقد فضلتم على أهل الوبر. وم سبقكم أهل المدر. ريفكم فامنعوه. والباغي فناوئوه.

--------------------

(1) راجع دائرة المعارف الإسلامية "مسليمة". The Enyclopaebis of Islam Musilam.

(2) الشديد.

(3) الأسود.

(4) الأدلم: الأسود الطويل.

(5) الجذع الأزلم: الدهر.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعمال مسيلمة المشؤومة

- لما ادعى مسيلمة النبوة لم يكتف قومه بسماع أسجاعه لتصديقه فيما يدعي ولا سيما أنه كان يبلغهم معجزات النبي التي بهرت ألباب العرب، فكانوا يأتون إليه ملتمسين منه المعونة عند الحاجة وليروا قدرته على إتيان المعجزات كجميع الأنبياء، فكان يرى نفسه مضطرا إلى إجابة مطالبهم وإلا كذبوه وسخروا منه وانصرفوا من حوله، فحاول أن يظهر لهم بعض أعماله بيد أنه لم يوفق في واحد منها، ويا ليته لم يوفق فقط، بل كانتتأتي أعمال بعكس المقصود. وهذا خذلان وخزي من اللّه تعالى ليتجلى للخلق كذبه وشؤمه على من أتباعه.

أتته امرأة فقالت: إن نخلنا لسحق(1) وإن آبارنا لجرز(2) فادع اللّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمد صلى اللّه عليه وسلم لأهل هزمان، فسأل نهارا عن ذلك فذكر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار ففاضت ماء وأنجبت كل نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمما، ففعل مسيلمة مثله فغار ماء الآبار ويبس النخل والعياذ باللّه.

وقال له نهار: أمرر يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمد، ففعل وأمر يده على رؤوسهم وحنكهم(3)، فقرع كل صبي مسح رأسه، ولثغ(4) كل صبي حنكه.

وجاء أبو طلحة النمري فسأله عن حاله فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة فقال: (أشهد أنك الكذاب وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر) فقتل معه يوم عقرباء كافرا.

وقالوا لمسيلمة تتبع حيطانهم كما كان محمد يصنع فصل بها. فدخل حائطا من حوائط اليمامة فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقي به حائطك حتى يروى ويبتل كما صنع بنو المهرية - أهل بيت من بني حنيفة - وكان رجل من المهرية قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخذ وضوءه فنقله إلى اليمامة فأفرغه في بئره ثم نزع وسقى وكانت أرضه تهوما فرويت وجزأت فلم تلف إلا خضراء مهتزة، ففعل الرجل فعادت يبابا لا ينبت مرعاها.

وأتاه رجل فقال: ادع اللّه لأرضي فإنها مسبخة كما دعا محمد لسلمى على أرضه، فقال ما يقول يا نهار، فقال قدم عليه سلمى وكانت أرضه سبخة فدعا له وأعطاه سجلا من ماء(5) ومج له فيه(6) فأفرغه في بئره ثم نزع فطابت وعذبت ففعل ذلك، فانطلق الرجل ففعل بالسجل كما فعل سلمى فغرقت أرضه فما جف ثراها ولا أدرك ثمرها. وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها فجذت كبائسها(7) يوم عقرباء كلها.

هذه بعض أعمال مسيلمة المشئومة التي أراد اللّه سبحانه وتعالى أن يفضحه بها، وقد أشرنا إلى أن مستر مرجوليث زعم أن مسيلمة ادعى النبوة قبل النبي صلى اللّه عليه وسلم، لكن هناك ما يثبت عكس زعمه، فإنه حول تقليد الإسلام فأخفق، فمن ذلك أن عبد اللّه بن النواحة كان يؤذن له، وكان الذي يقيم له حجير بن عمير فيزيد في صوته ويبالغ(8) لتصديق نفسه وتصديق نهار وتضليل من كان قد أسلم.

--------------------

(1) طويلة.

(2) انقطع الماء عنها فهي يابسة.

(3) حنكت الصبي تحنيكاً: مضغت تمراً أو نحوه ودلكت به حنكه.

(4) ثقل لسانه بالكلام.

(5) السجل: الدلو العظيمة.

(6) مج الرجل الماء من فيه: رمى به.

(7) الكبائس جمع الكباسة وهي عنقود النخل والمراد قطعت عناقيد نخلها.

(8) عند قوله: أشهد أن مسيلمة رسول اللّه.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ردة أهل البحرين(1) سنة 11هـ (632 - 633 م)

- بينما كان خالد بن الوليد يواصل انتصاراته من شمال شبه الجزيرة العربية إلى وسطها كانت الجيوش التي أرسلها أبو بكر تحارب القبائل المرتدة والثائرة في الجهات الأخرى. وكان المنذر بن ساوى العبدي عاملا على البحرين في زمن رسول اللّه غير أنه مرض فمات بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم بقليل فارتد بعده أهل البحرين وارتدت بكر.

وكان الجارود بن المعلى قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وفد عبد قيس سنة عشر، فأسلم وكان نصرانيا، ففرح النبي صلى اللّه عليه وسلم بإسلامه فأكرمه وقربه. وبعد أن تفقه في الدين رده إلى قومه عبد القيس(1) فلما توفي رسول اللّه بلغه أنهم قالوا (لو كان محمد نبيا لم يمت) فجمعهم وقال لهم:

(أتعلمون أنه كان للّه أنبياء فيما مضى؟ قالوا نعم. قال فما فعلوا؟ قالوا ماتوا. قال فإن محمدا صلى اللّه عليه وسلم قد مات كما ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه). فأسلموا وثبتوا على إسلامهم.

وكان أبو بكر بعث العلاء بن الحضرمي على قتال أهل الردة بالبحرين، فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي في مسلمة بني حنيفة، ولحق به أيضا قيس بن عاصم المنقري، وانضم إليه عمرو والأبناء، وسعد بن تميم، والرباب لحقته في مثل عدته فسلك بهم الدهناء(3) حتى كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء، فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا اللّه ووصى بعضهم بعضا، فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال: (ما هذا الذي غلب عليكم من الغم؟).

فقالوا: (كيف نلام ونخن إن بلغنا غدا لم تحم الشمس حتى نهلك)؟.

فقال: (لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل اللّه وأنصار اللّه فأبشروا فواللّه لن تخذلوا).

--------------------

(1) البحرين: اسم جامع لبلاد على ساحل الخليج الفارسي بين البصرة وعمان واليمامة في وسط الطريق بين مكة والبحرين.

(2) يكنى الجارود أبا المنذر، وقيل اسمه بشر وإنما لقب الجارود لأنه أغار في الجاهلية على بكر وائل فأصابهم وجردهم.

(3) أرض من ديار بني تميم فيها سبعة جبال من الرمل الأحمر.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كرامة العلاء بن الحضرمي

- كان العلاء بن الحضرمي مجاب الدعوة فلما صلى الجيش صلاة الصبح جثا العلاء لركبتيه وجثا الناس فنصب في الدعاء ونصبوا معه، فلمع لهم سراب الشمس فالتفت إلى الصف. فقال رائد ينظر ما هذا، ففعل ثم رجع فقال (سراب) فأقبل على الدعاء ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر. فقال (ماء) فقام وقام الناس فمشوا إليه حتى نزلوا إليه، فشربوا واغتسلوا، فما ارتفع النهار حتى أقبلت الإبل من كل وجه فأناخت وشربت، ولم يكن بهذا المكان غدير ولا ماء قبل اليوم، ثم ساروا فنزلوا بهجر(1)، وأرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه، وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه فيما بلى هجر.

تجمع المشركون كلهم إلى الحطم بن ربيعة إلا أهل دارين(2) وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء بن الحضرمي.

--------------------

(1) هجر: مدينة وهي قاعدة البحرين.

(2) دارين: فرضة بالبحرين.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حرب الخنادق

- كان كل فريق متخوفا من الآخر فخندق المسلمون والمشركون ولبثوا يتراوحون القتال ويراجعون إلى خنادقهم شهرا.

جيش العدو يلهو ويسكر

- طال مكث الجيشين في الخندق، ففي ذات ليلة سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء شديدة، فأرسل العلاء عبد اللّه بن حذف ليأتيهم بخبر القوم، فعاد وأخبرهم أن القوم سكارى، فخرج المسلمون عليهم، واقتحموا الخندق، ووضعوا السيوف فيهم، واستولى المسلمون على ما في العسكر، وقتل الحطم، قتله قيس بن قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التيمي ساقه، وقسم العلاء الأنفال ونفل رجالا من أهل البلاء ثيابا. فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحطم يباهي بها وهي التي كانت سببا في قتله(1).

--------------------

(1) أي في قتل ثمامة بعد ذلك.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسير إلى دارين وكرامة أخرى للعلاء

- ثم قصد معظم الجيش إلى دارين وهي فرضة بالبحرين، وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفر البحر في بعض الحالات. فركبوا إليها السفن ولحق باقي الجيش ببلاد قومهم، فكتب العلاء إلى من ثبت على إسلامه من بكر وائل يأمرهم بالقعود للمنهزمين والمرتدين بكل طريق ففعلوا، وجاءت رسلهم إلى العلاء بذلك فأمر أن يؤتى من وراء ظهره فندب الناس إلى دارين وقال لهم:

(قد أراكم اللّه من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم واستعرضوا البحر).

وبعد ذلك ارتحلوا واقتحموا البحر على الخيل والإبل وغير ذلك وفيهم الماشي على قدميه ودعا ودعوا وهذا دعاؤهم:

(يا أرحم الراحمين، يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم. لا إله إلا أنت يا ربنا).

فاجتازوا ذلك الخليج بإذن اللّه يمشون على رمل فوقه ماء يغمر أخفاف الإبل.

انتصار المسلمين وهزيمة المشركين

- التقى المسلمون والمشركون واقتتلوا قتالا شديدا فانتصر المشركون وانهزم المشركون. وأكثر المسلمون القتل فيهم وغنموا وسبوا فبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين، وقال في ذلك عفيف بن المنذر:

ألم تر أن اللّه ذلل بحره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل

دعونا الذي شق البحار فجاءنا بأعجب من فلق البحار الأوائل

وجاء في أسد الغابة أن العلاء بن الحضرمي هو من حضرموت حليف حرب بن أمية وقد خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها.

إسلام راهب

- كان مع المسلمين راهب من أهل هجر فأسلم، فقيل له: ما حملك على الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني اللّه بعدها(1):

- 1- فيض في الرمال.

- 2- تمهيد أثباج البحر (أي أعليه أو معظمه).

- 3- دعاء سمعته في عسكرهم في الهواء سحرا:

(اللّهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع فليس قبلك شئ، والدائم غير الغافل، الحي الذي لا يموت، وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن علمت كل شئ بغير تعلم).

فعلمت أن القوم لم يعاونوا بالملائكة إلا وهم على حق، فكان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يسمعون هذا منه بعد، ولم يرو لنا التاريخ اسم هذا الراهب الذي أسلم.

--------------------

(1) أي إذا لم يسلم.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب العلاء لأبي بكر

- كتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق وقتل الحطم وهذا نص الكتاب:

(أما بعد فإن اللّه تبارك اسمه سلب عدونا عقولهم وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من النهار، فاقتحمنا عليهم خندقهم فوجدناهم سكارى فقتلناهم إلا الشريد وقد قتل الحطم).

فكتب إليه أبو بكر: (أما بعد فإن بلغك عن بني شيبان بن ثعلبة تمام على ما بلغك وخاض فيه المرجفون فابعث إليهم جندا فأوطئهم وشرد بهم من خلفهم فلم يجتمعوا ولم يصر ذلك من إرجافهم إلى شيء).

ردة أهل عمان ومهرة

- عمان اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند تشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع إلا أن حرها يضرب به المثل. قال الزجاجي سميت عمان بعمان بن إبراهيم الخليل، وعمان أرض جبلية يكتنفها الجبل الأخضر وسلسلة جبال أخرى صغيرة بالقرب من ساحل البحر، وعاصمتها الآن مسقط على الخليج الفارسي.

ومهرة. قال صاحب معجم البلدان بالفتح والسكون هكذا يرويه عامة الناس، والصحيح مهرة بالتحريك وجدته بخطوط جماعة من أئمة العلم القدماء لا يختلفون فيه، هذا ما أثبته ياقوت في معجمه، غير أن دائرة المعارف الإسلامية كتبتها بالكون هكذا Mahra وكتاب القرون الوسطى لجامعة كامبردج الجزء الثاني وكان الواجب أن تصحح بالتحريك Mahara. كذلك وقع في نفس هذا الخطأ مستر موير في كتاب الخلافة. وتقع مهرة في الجنوب الشرقي من شبه جزيرة العرب على المحيط الهندي بين حضرموت وعمان.

نبغ بعمان ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسامى في الجاهلية الجلندي، وادعى النبوة، وغلب على عمان مرتدا، والتجأ جيفر بن الجلندي رئيس أهل عمان وعباد إلى الجبل والبحر، ثم بعث جيفر إلى أبي بكر يطلب منه النجدة، فأرسل إليه حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير(1)، وأرسل عرفجة البارقي من الأزد إلى مهرة، فإذا قربا من عمان كاتبا جيفرا، فمضيا إلى ما أمرا به، وكان أبو بكر بعث عكرمة إلى مسيلمة باليمامة، واتبعه شرحبيل بن حسنة وأمرهما بما أمر به حذيفة وعرفجة، فإذا فرغا منه سارا إلى اليمن فلحقهما عكرمة قبل عمان، فلما وصلوا رجاما(2) وهي قريب من عمان كاتبوا جيفرا وعبادا، وبلغ لقيطا مجئ الجيش فجمع جموعه وعسكر بدبا وخرج جيفر وعباد من موضعهما الذي كانا فيه فعسكرا بصحار(3) وأرسلا إلى حذيفة وعكرمة وعرفجة فقدموا عليهما، وكاتبوا رؤساء مع لقيط وانفضوا عنه ثم التقوا على دبا(4) فاقتتلوا قتالا شديدا كانت الغلبة فيه للقيط، ورأى المسلمون الخلل والمشركون الظفر، وبينما هم كذلك جاءت المسلمين النجدات من بني ناجية، وعليهم الخريت بن راشد، ومن عبد القيس وعليهم سيحان بن صوحان وغيرهم، فقوى اللّه المسلمين فولى المشركون الأدبار وقتل منهم في المعركة نحو (10.000) وسبوا الذراري وقسموا الأموال وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة وكان الخمس 800 رأس، وبقي حذيفة يسكن الناس ويحفظ النظام.

أما مهرة فإن عكرمة بن أبي جهل سار إليهم بعد أن فرغ من عمان ومعه جيوش من ناجية، وعبد القيس، وراسب، وسعد، فاقتحم بلادهم فوجد جمعين من مهرة، أحدهما مع رجل منهم يقال له شخريت والآخر مع مصبح أحد بني محارب، ومعظم الناس معه غير أنهما كانا مختلفين، فكاتب عكرمة شخريتا قبل أن يحاربه، فأجابه وأسلم وانضم 'ليه ثم كاتب المصبح الذي كان معه معظم الناس فلم يجب اغترارا بكثرة جيشه فسار إليه مع شخريت وحاربه فانهزم المرتدون وقتل رئيسهم، وأصاب المسلمون كثيرا من الغنائم، ومما أصابوا (2000) نجيبة(5) وأرسل عكرمة خمس الغنائم إلى أبي بكر مع شخريت، واشتدت شوكة عكرمة، وأسلم المرتدون.

--------------------

(1) في أسد الغابة حذيفة القلعاني والصواب ما ذكرنا كما جاء في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير.

(2) جبل طويل أحمر وهو الذي نزل به جيش أبي بكر يريدون عمان أيام الردة ويوم الرجام من أيامهم.

(3) قال ياقوت: هي قصبة عمان مما يلي الجبل وتوأم قصبتها مما يلي الساحل، وهي مدينة طيبة الهواء كثيرة الخيرات والفواكه مبنية بالآجر والساج كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها.

(4) دبا: سوق من أسواق العرب بعمان.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ردة اليمن

- اتد قيس بن عبد يغوث بن مكشوح باليمن ثانية لما بلغه وفاة رسول اللّه، مع أنه كان اشترك هو وفيروز وداذويه في قتل الأسود العنسي كما تقدم ذكره، فلما ارتد أراد التخلص من فيروز وداذويه فخدعهما ودعاهما إلى طعام صنعه لهما فدخل عليه داذويه فقتله، وأما فيروز فلما هم بالدخول سمع امرأتين على سطحين تتحدثان فقالت إحداهما: هذا مقتول كما قتل داذويه ففر إلى جبل خولان وهم أخوال فيروز فامتنع بهم وكتب إلى أبي بكر يخبره وعمد قيس إلى تفريق الأنباء، فلما علم فيروز جد في حربه، وأرسل إلى بني عقيل بن ربيعة وإلى عك يستمدهم فمدوه بالرجال فخرج بهم وبمن اجتمع عنده، فلقوا قيسا بالقرب من صنعاء فاقتتلوا قتالا شديدا انهزم قيس وأصحابه. وبينما هم كذلك قدم عكرمة بن أبي جهل من مهرة مع جيشه وقدم أيضا المهاجر بي أبي أمية في جمع من مكة والطائف وبجيلة مع جرير إلى نجران فانضم إليه فروة بن مسيك المرادي فأقبل عمرو بن معدي كرب الذي كان قد ارتد حتى دخل على المهاجر من غير أمان فأوثقه المهاجر وأخذ قيسا أيضا فأوثقه وسيرهما إلى أبي بكر فقال لقيس:

(يا قيس قتلت عباد اللّه واتخذت المرتدين وليجة(1) من دون المؤمنين) فانتفى قيس من أن يكون قارف من داذويه شيئا، وكان قتله سرا فتجافى له عن دمه.

وقال لعمرو بن معدي كرب:

(أما تستحي أنك كل يوم مهزوم أو مأسور. لو نصرت هذا الدين لرفعك اللّه).

فقال: لا جرم لأقبلن ولا أعود فخلى أبو بكر سبيله.

ورجعا إلى عشائرهما فسار المهاجر من نجران(2) والتقت الخيول على أصحاب العنسي فاستأمنوا فلم يؤمنهم وقتلهم بكل سبيل ثم سار إلى صنعاء فدخلها وكتب إلى أبي بكر بذلك.

--------------------

(1) الوليجة: البطانة.

(2) نجران: من مخاليف اليمن من ناحية مكة دخل أهلها النصرانية بعد أن كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام.

No comments:

Post a Comment