عوده الي الصفحه الرئيسيه

القران الكريم اون لاين

قصه حياه ابو بكر الصديق اول الخلفاء الراشدين 3

ردة حضرموت وكندة

- حضرموت صقع ببلاد العرب قيل سمي بحضرموت بن قحطان لأنه أول من نزله، وكان اسم هذا الرجل عامرا، فكان إذا حضر حربا أكثر من القتل فصاروا يقولون عند حضوره حضرموت ثم جرى ذلك عليه لقبا وسكنوا الضاد للتخفيف، وجعلوا الاسم مركبا مزجيا على الأشهر، ثم صاروا يقولون للأرض التي كانت بها هذه القبيلة حضرموت ثم أطلق على البلاد نفسها.

تحد حضرموت غربا باليمن وشرقا بعمان وشمالا بالدهناء، وقال ياقوت وهي ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف.

كان الأشعث بن قيس قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم في وفد كندة من حضرموت فأسلموا وسألوا أن يبعث عليهم رجلا يعلمهم السنن ويجبي صدقاتهم فأنفذ معهم زياد بن لبيد البياضي(1) عاملا للنبي صلى اللّه عليه وسلم يجبيهم، فلما مات رسول اللّه نكص الأشعث عن بيعة أبي بكر رضي اللّه عنه ونهاه ابن امرئ القيس بن عابس فلم ينته، فكتب زيا د إلى أبي بكر بذلك فكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية وكان على صنعاء بعد قتل العنسي أن يمد زيادا بنفسه ويعينه على المرتدين بمن عنده من المسلمين. فجمع زياد جموعه وأوقع بمخاليفه فنصره اللّه عليهم حتى تحصنوا بالنجير(2) بعد أن رموه، فحصرهم فيه ثم تقدم إليه عكرمة بجيشه فأعيوا عن المقام في الحصن، فاجتمعوا إلى الأشعث وسألوه أن يأخذ لهم الأمان فأرسل إلى زياد بن لبيد يسأله الأمان حتى يلقاه ويخاطبه فأمنه، فلما اجتمع به سأله أن يؤمن أهل النجير ويصالحهم فامتنع عليه وراده حتى آمن سبعين رجلا منهم وفيهم أخو قيس وبنو عمه وأهله ونسى نفسه وأن يكون حكمه في الباقي نافذا، فخرج سبعون فأراد قتل الأشعث وقال له: أخرجت نفسك من الأمان بتكملة عدد السبعين فسأله أن يحمله إلى أبي بكر ليرى فيه رأيه وفتحوا له حصن النجير وكان فيه كثير فعمد إلى أشرافهم نحو 700 رجل فضرب أعناقهم ولام القوم الأشعث وقالوا لزياد: إن الأشعث غدر بنا. أخذ الأمان لنفسه وأهله وماله ولم يأخذ لنا وإنما نزل على أن يأخذ لنا جميعا. وأبى زياد أن يوارى جثث من قتل وتركهم للسباع وكان هذا أشد على من بقي من القتل، وبعث السبي مع نهيك بن أوس بن خزيمة وكتب إلى أبي بكر: 'نا لم نؤمنه إلا على حكمك، وبعث الأشعث في وثاق وماله معه ليرى فيه رأيه، فأخذ أبو بكر يقرع الأشعث ويقول له: فعلت، فعلت. فقال الأشعث: استبقني لحربك، وسأله أن يرد عليه زوجته وقد كان خطب أم فروة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر لما قدم على رسول اللّه فزوجه وأخرها إلى أن يقدم الثانية. فحقن أبو بكر دمه بعد أن أسلم أمامه ورد عليه أهله وقال له (انطلق فليبلغني عنك خير).

ولما تزوج الأشعث أم فروة اخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملا ولا ناقة إلا عرقبه وصاح الناس (كفر الأشعث) فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني واللّه ما كفرت ولكن زوجني هذا الرجل أخته ولو كان ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه. يا أهل المدينة انحروا وكلوا. ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا أثمانها. فما رؤيت وليمة مثلها.

--------------------

(1) زياد بن لبيد الأنصاري يكنى أبا عبد اللّه خرج من المدينة إلى رسول اللّه وأقام معه بمكة حتى هاجر مع رسول اللّه إلى المدينة فكان يقول له مهاجري أنصاري. شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللّه.

(2) النجير: حصن قرب حضرموت.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة سنة 12هـ - 633 م

- كان المثنى(1) بن حارثة الشيباني ممن حارب وانتصر في البحرين، فاستأذن أبا بكر أن يغزو العراق، فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد فتقدم نحو الخليج الفارسي، وأخضع القطيف، ثم قاد جيشه إلى دلتا الفرات، وبلغ عد جيشه 8000 مقاتل، لكنه وجد مقاومة من جيش العدو، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالمسير إلى العراق. وقد أخمدت الثورة في جميع العرب في أوائل السنة الثانية عشرة الهجرية، فاهتم أبو بكر بتوجيه الجنود إلى جهات أخرى فأرسل جيشين إلى الشمال وأمر على أحدهما خالدا، ومعه المثنى للزحف نحو الأبلة(2) ثم الزحف نحو الحيرة(3) وأمر على الجيش الثاني عياضا ووجهه إلى دومة بين الخليج الفارسي وخليج العقبة، ثم بالمسير إلى الحيرة أيضا، فإذا سبق أحدهما الآخر كان أميرا على صاحبه. أما عياض الذي كانت وجهته دومة فقد عوقه العدو مدة طويلة، وأما خالد فإنه لم يلق مقاومة في طريقه إلى العراق كما لقي عياض، وانضم إليه عدد كبير من البدو فتقوى بهم، وكثر جيشه حتى صار عدده 10.000 مقاتل عدا جيش المثنى البالغ عدده 8.000 وكان الجميع تحت قيادة خالد. فكان أول من لاقاه هرمز وكان العرب يبغضونه لظلمه، ويضربونه مثلا فيقولون: (أكفر من هرمز) فكتب إليه خالد قبل خروجه:

(أما بعد فأسلم تسلم، أو أعقد لنفسك وقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة).

وقد جعل هرمز على مقدمته قباذ وأنو شجان، وكانا من أولاد أردشير الأكبر، فسمع بهم خالد فمال بالناس إلى كاظمة(4) فسبقه هرمز إليها، فقدم خالد فنزل على غير ماء. فقال له أصحابه في ذلك: ما نفعل؟ فقال لهم: (لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين) وتقدم خالد إلى الفرس، وأرسل اللّه سحابة فأغدرت وراء صف المسلمين فقويت قلوبهم.

--------------------

(1) المثنى هو الذي أطمع أبا بكر والمسلمين في الفرس وهو أمر الفرس عندهم وكان شهماً شجاعاً حسن الرأي. أبلى في قتال الفرس بلاءً لم يبلغه أحد، وكانت تأتي أخبار انتصاراته أبا بكر فقال من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه؟ فقيل قيس بن عاصم أما إنه غير خامل الذكر ولا مجهول النسب ولا قليل العدد ولا ذليل الغارة، ذلك المثنى بن حارثة الشيباني.

(2) الأبلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب وكانت الأبلة حينئذ مدينة.

(3) الحيرة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف. وكانت الحيرة مركزاً لجملة ملوك اعتنقوا المسيحية وحكموا أكثر من 600 سنة تحت ظل الفرس.

(4) كاظمة: على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان. وهي اليوم في الكويت إلى الغرب من عاصمتها.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقعة ذات السلاسل

- خرج هرمز ودعا خالدا إلى البراز، وأوطأ أصحابه على الغدر بخالد فبرز إليه خالد، ومشى نحوه راجلا ونزل هرمز أيضا وتضاربا فاحتضنه خالد وحمل أصحاب هرمز فما شغله ذلك عن قتله، وانهزم الفرس بعد أن قتل منهم عدد عظيم وسميت الموقعة)ذات السلاسل) لأن فريقا من جند الفرس قد قد قرنهم هرمز بالسلاسل خوفا من فرارهم. ونجا قباذ وأنوشجان، وأخذ خالد سلب هرمز، وكانت قلنسوته بمئة ألف لأنه كان قد تم شرفه في الفرس، وكانت هذه عاداتهم إذا تم شرف الإنسان تكون قلنسوته بمائة ألف، وكانت القلنسوة مفصصة بالجواهر، وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر، ومما غنمه المسلمون في ميدان القتال فيل فأرسل إلى المدينة مع الغنائم. فلما طيف به ليراه الناس جعل ضعيفات النساء يقلن (أمن خلق اللّه هذا؟) فرده أبو بكر.

حصن المرأة وحصن الرجل

- ثم صار خالد حتى نزل بموضع الجسر الأعظم بالبصرة وخرج المثنى بن حارثة حتى انتهى إلى (حصن المرأة) فخلف المثنى بن حارثة عليه أخاه فحاصرها ومضى المثنى إلى زوجها وهو في حصنه المسمى (حصن الرجل) فحاصره واستنزلهم عنوة فقتلهم وغنم أموالهم. ولما بلغ المرأة ذلك صالحت المثنى وأسلمت فتزوجها المثنى، وكان هذا الحصن قصرا واسم المرأة كما جاء في البلاذري (كامور زاد بنت نرسي) لأن أبا موسى الأشعري قد نزل بها فزودته خبيصا فجعل يكثر أن يقول أطعمونا من خبيص (المرأة) فغلب على اسمها.

وقد نال كل فارس في يوم ذات السلاسل 1000 درهم والراجل الثلث.

انهزام الفرس ثانياً موقعة الثنى(1) صفر سنة 12هـ - سنة 633م.

- لما وصل خبر انهزام هرمز إلى المدائن عاصمة الفرس، أرسل ملكهم أردشير جيشا آخر وأمر عليه قارن بن قريانس. فلما انتهى إلى المذار(2) انضم إلى الجيش المنهزم ورجعوا ومعهم قباذ وأنو شجان ونزلوا الثنى وهو نهر متفرع من الدجلة والتقوا بالمثنى الذي كان قد توقف عند الثنى فأحدق الخطر بالمثنى، فوافاه خالد والتقوا في الوقت المناسب، ودارت رحى القتال بينهم وانتهى الأمر بفرار الفرس، وقتل مهم نحو 30.000(3) سوى من غرق وفر من نجا منهم بالقوارب. وقد كان النهر عائقا في سبيا اقتفاء أثر العدو، غير أن الغنائم كانت عظيمة، وقتل كل رجل قادر على الحرب، وأسر النساء، وأخذ الجزية من الفلاحين، وصاروا ذمة، وصارت أرضهم لهم، وكان في السبي أبو الحسن البصري وكان نصرانيا وأمر على الجند سعيد بن نعمان وعلى الجزية سويد بن مقرن المزني.

أما قارن بن قريانس أمير جيش الفرس الذي أرسله أردشير لإمداد هرمز فقد قتله معقل بن الأعشى بن النباش، وقتل عاصم أنو شجان وقتل عدي بن حاتم قباذ، وكان قارن قد تم شرفه ولم يقاتل المسلمون بعده أحدا تم شرفه في الأعاجم. وزاد سهم الفارس يوم الثنى على سهمه في ذات السلاسل.

-------------------

(1) الثنى: من كل نهر منعطفة ويقال الثنى اسم لكل نهر.

(2) المذار في ميسان بين واسط البصرة وهي قصبة ميسان وبها قبر عبد اللّه بن علي بن أبي طالب ويقال إن الحريري صاحب المقامات قد مات بها.

(3) ذكر هذا العدد الطبري وابن الأثير لكن مستر موير في كتابه الخلافة لم يحدد العدد بل قال إن عدد القتلى كان كثيراً وعلى كل حال فالعدد تقريبي.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقعة الولجة(1) شهر صفر سنة 12هـ - إبريل سنة 633 م

- اضطرب البلاط الملكي في فارس من جراء انتصارات العرب، وتحدثوا فيما بينهم بأنه يجب محاربة العرب بعرب مثلهم يعرفون خططهم الحربية. فجند الملك جيشا عظيما من قبيلة بكر والقبائل الأخرى الموالية له تحت قيادة قائد مشهور منهم يدعى الأندرزغر وكان فارسيا من مولدي السواد. وأرسل بهمن جاذويه في أثره ليقود جيوش الملك وحشر الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر، ومن عرب الضاحية، وتقدمت الجيوش المتحدة نحو الولجة بالقرب من ملتقى النهرين.

أما خالد فقد ترك فرقة لحراسة الأراضي التي غزاها في الدلتا وسار للقاء العدو من الثنى، فاشتبك الجيشان في الولجة في قتال طويل عنيف، وقد انتصر المسلمون فيه بفضل تدابير قائدهم الذي باغت العدو وأجهده بكمين في ناحيتين، وكمين من الخلف، وكانت الهزيمة كاملة، ففر الفرس وفر العرب الموالون لهم بعد أن قتل وأسر منهم عدد عظيم، ومضى الأندرزغر منهزما فمات عطشا في الفلاة، وبذل خالد الأمان للفلاحين فعادوا وصاروا ذمة، وسبى الذراري المقاتلة ومن أعانهم.

-------------------

(1) الولجة بأرض كسكر موضع مما يلي البر وكسكر كورة واسعة ينسب إليها الفراريج الكسكرية لأنها تكثر بها جداً. وحد كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقس النهروان إلى أن تصب الدجلة في البحر كله. أما نهروان فهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها الأعلى متصل ببغداد.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خطبة خالد

- قام خالد في الناس خطيبا يرغبهم في بلاد العجم. ويزهدهم في بلاد العرب وقال:

(ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب(1)، وباللّه لم يلزمنا الجهاد في اللّه والدعاء إلى اللّه عز وجل، ولم يكن إلا للمعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولي الجوع والإقلال ممن تولاه، ممن اثاقل عما أنتم عليه).

-------------------

(1) أي كثير.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقعة أليس(1) شهر ربيع الأول سنة 12هـ - أيار مايو سنة 633 م

- انقسمت قبيلة بني بكر في القتال إلى قسمين، قسم مع خالد وقسم مع الفرس.

ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من بكر بن وائل من أنصارهم الذين أعانوا أهل الفرس، غضب لهم نصارى قومهم فكاتبوا الأعاجم فاجتمعوا إلى أليس وعليهم عبد الأسود العجلي، وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بني عجل.

كتب أردشير ملك الفرس إلى بهمن جاذويه وهو بقسيانا: أن سر حتى تقدم أليس بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب، فقدم بهمن جاذويه وجابان وسار جابان نحو أليس وهي في منتصف الطريق بين الحيرة والأبلة.

ثم انطلق بهمن إلى أردشير ليعرف رأيه ويتلقى أمره فوجده مريضا فبقي ملازما البلاط.

أما جابان فإنه مضى حتى أتى أليس فنزل بها. وكان خالد قد بلغه تجمع عبد الأسود ومن معهم فسار إليهم وهو لا يشعر بدنو جابان، وترك عند الحفير فرقة قوية لحماية ظهره، وبرز أمام الصف ونادى رؤساءهم إلى البراز له فبرز له مالك بن قيس فقال له خالد (يا بن الخبيثة ما جرأك علي من بينهم وليس فيك وفاء؟) فضربه وقتله. ونشبت الحرب بين الفريقين واقتتلوا قتالاً شديداً.

-------------------

(1) أليس مصغر: في أول أرض العراق من ناحية البادية وهي على صلب الفرس، قال أبو مقرن الأسود بن قطبة يذكر يوم أليس:

بقينا يوم أليس وأمغى ويوم المقر آساد النها.

فلم أر مثلها فضلات حرب أشد على الجحاجحة الكبا.

قتلنا منهم سبعين ألفاً بقية حربهم نخب الأسا.

سوى من ليس يحصى من قتيل ومن قد جال جولان الغبا.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نهر الدم

- ولما وجد خالد شدة مقاومة العدو قال:

(اللّهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم).

وأخيرا لم يستطع الفرس مقاومة المسلمين ففروا منهزمين فأمر خالد مناديه فنادى في الناس (الأسر. الأسر. لا تقتلوا إلا من امتنع).

فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين يساقون سوقا وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر، فجرت الدماء في النهر فسمى لذلك (نهر الدم) وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلا من بني عجل إلى أبي بكر، يخبره بفتح أليس وبقدر الفيء وبعدة السبي وبما حصل من الأخماس، وبأهل البلاد من الناس، وأمر أبو بكر لجندل بجارية من ذلك السبي. وبلغ قتلى العدو من أليس 70000 كما ذكر الطبري وكما جاء في شعر أبي مقرن الأسود بن قرطبة حيث قال:

قتلنا منهم سبعين ألفاً بقية حربهم نخب الأسار

موقعة أمغيشيا وهدمها

- لما فرغ خالد من أليس سار إلى أمغيشيا وكانت مصرا كالحيرة فغزا أهلها وأعجلهم أن ينقلوا أموالهم فغنم جميع ما فيها وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد وبلغ سهم الفارس 1500 سوى الذي نفله أهل البلاء. أرسل إلى أبي بكر بالفتح ومبلغ الغنائم. فلما بلغ ذلك أبا بكر قال: (أعجزت النساء أن يلدن مثل خالد) وفي رواية (عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله(1) أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد).

-------------------

(1) خراذيله قطع اللحم، مفردها خرذولة.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصار الحيرة وتسليمها ربيع الأول سنة 12هـ - أيلول سبتمبر سنة 633 م

- سار خالد من أمغيشيا إلى الحيرة، وحمل الرجال والرحال والأثقال في السفن فخرج مرزبان الحيرة (حاكمها الفارسي) ويدعى الأزاذبة وأرسل ابنه فقطع الماء عن السفن، وذلك بسد الفرات فبقيت السفن على الأرض فسار خالد في خيل نحو ابن الأزاذبة فلقيه على فم فرات بادقلى فقتله وقتل أصحابه، غير أن المدينة كانت محصنة بأربعة حصون فأبت التسليم فحصرهم وقاتلهم المسلمون فاقتحموا الدور والويورة(1) وأكثروا القتل فنادى القسيسون والرهبان (يا أهل القصور ما يقتلنا غيركم)، فنادى أهل القصور المسلمين. (قد قبلنا واحدة من ثلاث: إما الإسلام، أو الجزية، أو المحاربة).

أما الأزاذبة فإنه هرب إذ بلغه موت أردشير.

وهذه أسماء قصور الحيرة التي تحصنوا فيها:

- 1- القصر الأبيض وفيه إياس بن قبيضة الطائي. وكان ضرار بن الأزور محاصرا له.

- 2 - قصر الغريين وفيه عدي بن عدي. وكان ضرار بن الخطاب محاصرا له.

- 3 - قصر ابن مازن وفيه ابن أكال. وكان ضرار بن مقرن المزني محاصرا له.

- 4 - قصر ابن بقيلة وفيه عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة. وكان المثنى محاصرا له.

خرج هؤلاء الرؤساء الأربعة من قصورهم فأرسلهم المسلمون إلى خالد فكان أول من طلب الصلح، عمرو بن عبد المسيح، فصالحوه على 190.000 وأهدوا إليه الهدايا وبقوا على دينهم. وبعث خالد بالفتح والهدايا إلى أبي بكر مع الهذيل الكاهلي فقبلها أبو بكر من الجزاء، وكتب إلى خالد: أن أحسب لهم هديتهم من الجزاء، وخذ بقية ما عليهم فوق بها أصحابك.

محاورة بين خالد بن الوليد وعمرو بن عبد المسيح.

- لما مثل عمرو بن عبد المسيح أمام خالد قال له خالد:

- كم أتى عليك؟

- مئون من السنين.

- فما أعجب ما رأيت؟

- رأيت القرى منظومة ما بين دمشق والحيرة تخرج المرأة من الحيرة فلا تزود إلا رغيفاً(1) فتبسم خال وقال:

- هل لك من شيخك إلا عمله. خرفت واللّه يا عمرو. ثم أقبل على أهل الحيرة وقال: ألم يبلغني أنكم خبثة خدعة مكرة، فما لكم تتناولون حوائجكم بخرف(2) لا يدري من أين جاء؟ فتجاهل له عمرو وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به عقله، ويستدل به على صحة ما حدث به فقال:

- وحقك أيها الأمير إني لأعرف من أين جئت.

- فقال: من أين جئت.

- فقال عمرو: أقرب أم أبعد؟

- ما شئت.

- من بطن أمي.

- فأين تريد؟

- أمامي.

- وما هو؟

- الآخرة.

- فمن أين أقصى أثرك.

- من صلب أبي.

- ففيم أنت؟

- في ثيابي.

- أتعقل؟

- إي واللّه وأقيد.

- إنما أسألك.

- فأنا أجيبك.

- أسلم أنت أم حرب؟

- بل سلم.

- فما هذه الحصون؟

- بنيناها للسفيه نحسبه حتى ينهاه الحليم.

- قتلت أرض جاهلها. وقتل أرض عالمها، والقوم أعلم بما فيهم.

- فقال عمرو: أيها الأمير، النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النمل.

-------------------

(1) أي لأنهخا لا تعدم ما تأكله في طريقها لقرب القرى من بعضها مع المسافة بين دمشق والحيرة ولكرم الأهلين.

(2) برجل فاسد العقل لكبر سنه.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خالد يتناول السم الزعاف فلا يؤثر فيه

- ذكرنا كرامتين للعلاء بن الحضرمي. والآن نذكر كرامة لخالد بن الوليد،و لم يكن أحدهما ساحرا ولا كاهنا. بل كان كل منهما بطلا مقداما، فقد كان مع عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة خادم معه كيس فيه سم، فأخذه خالد ونثره في يده وقال: لم تستصحب هذا؟ قال: خشيت أن تكون على غير ما رأيت فكان أحب إلي من مكروه أدخله على قومي. فقال خالد: لن تموت نفسه حتى تأتي على أجلها. وقال (بسم اللّه خير الأسماء. رب الأرض ورب السماء الذي لا يضر مع اسمه داء. الرحمن الرحيم) فابتلع خالد السم. فقال عمرو: (و اللّه يا معشر العرب لتملكن ما أردتم. ما دام أحد منكم هكذا(1)) لم يكن لابتلاع السم أي تأثير في خالد، فلم يمرض، ولم يمت مع أن عمرو بن عبد المسيح كان قد أعده للانتحار.

وصالح خالد أهل الحيرة، ففرضت عليهم الجزية عدا رجال الدين واشتغل المسلمون بحماية المدينة من الهجوم عليها. وكان لعبد المسيح الذي مر ذكره ابنة تدعى كرامة فتمسك خالد بتسليمها إلى شويل؛ لأنه كان رآها شابة فمال إليها، فوعده النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك، فلما فتحت الحيرة طلبها وشهد له شهود بوعد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يسلمها إليه، وعلى ذلك سلمها له خالد، فاشتد ذلك على أهل بيتها وقرابتها. فقالت لهم: اصبروا فإنما هذا رجل أحمق. رآني في شبيبتي فظن أن الشباب يدوم، فافتدت منه بألف درهم ورجعت إلى أهلها.

-------------------

(1) راجع الطبري والكامل لابن الأثير عند ذكر فتح الحيرة.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صلاة الفتح

- لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن وقال:

لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت قوما كقوم لقيتهم من أهل فارس، وما لقيت من أهل فارس كأهل أليس.

وبعد أن احتل خالد الحيرة مكث فيها عاما عين عمالا لجباية الخراج وأمراء للثغور، وتم صلح الحيرة بدفع مبلغ 600.000 درهم جزية وهو مبلغ قليل، لكنه كان في نظر العرب مبلغا عظيما.

الفرس وشرب الخمر.

- ذكر خالد في كتابه إلى الفرس غير مرة الخمر. فمما جاء في أحد كتبه إليهم: (ألا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر) وهذا يدل على أن الخمور كانت منتشرة عندهم، وأنهم كانوا يقبلون على شربها حتى عني خالد بذكرها.

متاعب الفرس الداخلية.

- وفي هذه الأثناء كانت الفرس تعاني كثيرا من المتاعب الداخلية بعد ملكها أردشير، وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ، ولهذا اقتصر همهم على حماية المدائن عاصمة ملكهم وما جاورها إلى نهر شير الذي هو فرع من نهر الفرات وكان المثنى يهدد هذه الناحية لكنه توقف عن الزحف، لأن أبي بكر نهى عن التقدم إلا أن تحمى ظهور المسلمين.

فتح الانبار موقعة ذات العيون.

- أنبار هي فيروز سابور القديمة. مدينة شهيرة في العراق من ولاية بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، وهي إلى غربيها على الفرات قرب مخرج نهر عيسى، وبابل في شماليها وتبعد عنها نحو ثمانين ميلا. قيل سميت بالأنبار لأنه كان يجمع فيها أنابير الحنطة والشعير والتبن وأنابير جمع أنبار. سار خالد على تعبئته إلى الأنبار وعلى مقدمته الأقرع بن حابس فحاصرها المسلمون وقد تحصن أهل الأنبار وخندقوا عليهم وأشرفوا من حصنهم وعلى جنودهم شيرزاد صاحب ساباط، وطاف خالد بالخندق وأنشب القتال وأوصى رماته أن يقصدوا عيون جيش العدو فرموا رشقا واحدا ثم تابعوا فأصابوا ألف عين فسميت تلك الوقعة (ذات العيون) وتصايح القوم (ذهبت عيون أهل الأنبار). فلما رأى ذلك شيرزاد أرسل يطلب الصلح على أمر لم يرضه خالد، فرد رسله ونحره من إبل العسكر كل ضعيف وألقى الإبل في أضيق مكان في الخندق حتى ردمه بها وجاز هو وأصحابه فوقها، فاجتمع المسلمون والمشركون في الخندق فأرسل شيرزاد إلى خالد يطلب منه الصلح على ما أراد فصالحه على أن يلحقه بمأمنه من غير أن يأخذ شيئا من المتاع. وخرج شيرزاد إلى بهمن جاذويه. ثم صالح خالد من حول الأنبار وأهل كلواذى.

فتح عين التمر(1).

- لما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر وهي قلعة على حدود الصحراء على مسيرة ثلاثة أيام غربا، وبها مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب وتغلب وإياد وغيرهم، فلما سمعوا بخالد، قال عقة لمهران (إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالدا) قال: (صدقت فأنتم أعلم بقتال العرب وإنكم لمثلنا في قتال العجم) فخدعه واتقى به وقال (إن احتجتم إلينا أعناكم) فلامه أصحابه من الفرس على هذا القول فقال لهم (إنه قد جاءكم من قتل ملوككم وفل حدكم فاتقيته بهم. فإن كانت لهم على خالد فهي لكم. وإن كانت الأخرى لم يبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء) فاعترفوا بفضل الرأي. وسار عقة إلى خالد فعبأ خالد جنده، وبينما كان عقة يقيم صفوفه حمل عليه خالد بنفسه فاحتضنه وأخذه أسيرا كما احتضن هرمز من قبل في موقعة ذات السلاسل. فانهزم الفرس من غير قتال وأكثر فيهم المسلمون الأسر فسألوه الأمان فأبى فنزل فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى وقتل عقة ثم قتلهم أجمعين وسبى كل من في الحصن وغنم ما فيه. ووجد في بيعتهم(2) أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل علة مذهب نسطور(3). وكان عليهم باب مغلق فكسره عنهم وقسمهم بين القواد. وكان منهم أبو زياد مولى ثقيف ونصير أبو موسى بن نصير، وأرسل الوليد بن عقبة إلى أبي بكر بالخبر والأخماس.

-------------------

(1) في معجم البلدان، عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة يجلب منها التمر إلى سائر البلاد وهو بها كثير جداً وهي على طرف البرية وهي قديمة.

(2) البيعة: كنيسة للنصارى.

(3) راجع مذهب نسطور في كتاب "محمد رسول اللّه" للمؤلف عند ذكر إسلام النجاشي صفحة 343 و344.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقعة دومة الجندل شهر رجب سنة 12هـ - أيلول سبتمبر سنة 633 م

- دومة الجندل مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة ليلة، وهي أقرب بلاد الشام إلى المدينة وبقرب تبوك. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج لغزوها في ربيع الأول سنة خمس (يولية سنة 262م) وكانت أول غزوات الشام(1).

وكان أبو بكر قد أرسل جيشين إلى الشمال وأمر على أحدهما خالداً ووجهته نحو الأبلة ثم الزحف على الحيرة، وأمر على الثاني عياضا ووجهته دومة عوقه العدو مدة طويلة ولم يستطع أن ينضم إلى خالد، فلما أرسل خالد بن عقبة إلى أبي بكر بخبر فتح عين التمر اهتم أبو بكر فأرسل الوليد لمساعدة عياض. وكان خالد لما فرغ من عين التمر أتاه كتاب عياض يستمده فسار خالد إليه تاركا القعقاع على الحيرة، وكان بدومة رئيسان أكيدر بن عبد الملك(2) والجودي بم ربيعة يساعدهما بنو كلب وقبائل أخرى من صحراء الشام.

ولما سمع أكيدر بقدوم خالد تخوف وبادر بالتسليم، إلا أن خالدا أسره وضرب عنقه ثم أخذ ما كان معه. ثم هاجم عياض القبائل المعادية من جهة الشام وخالد من جهة فارس فانهزم العدو شر هزيمة، وأخذ الجودي أسيرا فقتله وقتل الأسرى، وأخذ حصونهم، وسبى الذرية والسرح فباعهم واشترى خالد ابنة الجودي وكانت موصوفة بالجمال وتزوجها في ميدان القتال ثم رجع إلى الحيرة، وكان يريد محاربة أهل المدائن فمنعه من ذلك كراهية مخالفة أبي بكر.

-------------------

(1) راجع كتاب "محمد رسول اللّه" للمؤلف صفحة 265.

(2) راجع بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر في كتاب "محمد رسول اللّه" للمؤلف صفحة 428 - 429.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البعوث إلى العراق شهر شعبان سنة 12هـ - تشرين الأول أكتوبر سنة 633م

- لقد شجع غياب خالد الفرس ومن والاهم من العرب، ولا سيما بني تغلب على مناوشة المسلمين وطمع الأعاجم، وكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة الذي قتله خالد بعين التمر، إلا أن القعقاع استطاع الدفاع عن الأنبار، ولما قدم خالد خرج وعلى مقدمته الأقرع بن حابس واستخلف على الحيرة عياض بن غنم، وهاجم الفرس على الشاطئ الشرقي للفرات فهزمهم وقتل قوادهم، وهاجم البدو على الشاطئ الغربي ليلا وهم نيام فقتلهم وسبى الذرية وأرسل الغنائم إلى المدينة.

موقعة الفراض شهر ذي القعدة سنة 12هـ - كانون الثاني يناير سنة 634م.

- ثم قصد خالد إلى الفراض تخوم الشام والعراق والجزيرة فأفطر بها رمضان في تلك السفرة التي اتصلت فيها الغزوات، فلما اجتمع المسلمون بالفراض حميت الروم واغتاظت، واستعانوا بمن يليها من مسالح أهل فارس، واستمدوا تغلب وإيادا والنمر، فأمدوهم وناهضوا خالدا حتى إذا صار الفرات بينهم قالوا: (إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم) قال خالد: (بل اعبروا إلينا قالوا فتنحوا حتى نعبر) فقال خالد: (لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا) فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض احتسبوا ملككم. هذا رجل يقاتل على دين. وله عقل وعلم واللّه لينصرن ولنخذلن. ثم لن ينتفعوا بذلك. فعبروا أسفل من خالد. فلما تتاموا قالت الروم: امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح من أينا يجيء ففعلوا واقتتلوا قتالا شديدا طويلا. ثم إن اللّه عز وجل هزمهم، وقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب 100.000 كما رواه الطبري، وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشرا، ثم أذن بالجوع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة.

قال مستر موير في كتابه (الخلافة) عند ذكر هذه الموقعة صفحة 61 طبعة سنة 1942 إن هذا العدد (100.000) خرافي ويريد بذلك أنه عدد عظيم غير معقول إلا أن المؤرخين لم يذكروا عدد جيش خالد ولا عدد جيش العدو، والذي نعلمه أن جيش العدو كان عظيما، لأنه كان جيش متحد مؤلف من ثلاثة جيوش: جيش الفرس والروم والعرب الذين انضموا إليهم، فإذا كانت الموقعة انتهت بانهزام هذه الجيوش انهزاما تاما فلا بد أن يكون عدد القتلى كبيرا، فإن لم يكن مئة ألف بالضبط كما رواه الطبري فهو يقرب من ذلك.

قال القعقاع يصف موقعة الفراض:

لقينا بالفراض جموع روم وفرس غمها طول السلام

بدنا جمعهم لما التقينا وبيتنا بجمع بني رزام

فما فتئت جنود السلم حتى رأينا القوم كالغنم السوام

خالد يحج سراً شهر ذي الحجة سنة 12هـ - شباط فبراير سنة 634م.

- لما أيقن خالد من انهزام العدو اشتاق إلى زيارة مكة وإلى تأدية فريضة الحج متخفيا من غير أن يستأذن أبا بكر فأمر جيشه بالعودة إلى الحيرة وتظاهر بأنه سائر في مؤخرة الجيش، فبدأ رحلته إلى مكة ومعه عدة من أصحابه لخمس بقين من ذي القعدة ولم يكن معه دليل، فاخترق الصحراء مسرعا رغما عن صعوبة الطريق.

ولما أدى فريضة الحج عاد إلى الحيرة في أوائل فصل الربيع فكانت غيبته على الجند يسيرة، فما وصلت إلى الحيرة مؤخرة الجيش حتى وافاهم خالد مع صاحب الساقة فقدما معا، وخالد وأصحابه محلقون، وقد كان تكتمه شديدا حتى إنهم ظنوا أنه كان في هذه المدة بالفراض ولم يعلم أبو بكر بحج خالد مع أنه كان في الحج أيضا، غير أنه بعد قليل بلغه الخبر فاستاء جدا وعتب عليه، وكانت عقوبته أن صرفه إلى الشام ليمد جموع المسلمين باليرموك فأرسل إليه كتابا هذا نصه:

"سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجُوا(1) وأشجَوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون اللّه شجاك، ولم ينزع الشجى من الناس نزعك، فليهنئك أبا سليمان النية والخطوة، فأتمم يتمم اللّه عليك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل فإن اللّه له المن وهو ولي الجزاء".

وفي هذه السنة (سنة 12 هـ) تزوج عمر رضي اللّه عنه عاتكة بنت زيد، وفيها مات أبو مرثد الغنوي، وهو أبو مرثد كناز بن الحصين الذي حمل اللواء في بعث حمزة، وكان أول لواء عقده رسول اللّه(2)، وفيها مات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة، وكان من الأسرى يوم بدر ثم أسلم، وهو زوج زينب بنت رسول اللّه، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد رضي اللّه عنها أخت خديجة أم المؤمنين، وأوصى إلى الزبير، وتزوج علي عليه السلام ابنته أمامة بنت زينب بنت رسول اللّه، وفيها اشترى عمر أسلم مولاه، بالناس في هذه السنة أبو بكر، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان كما ذكر ذلك الواقدي.

-------------------

(1) شجي الرجل يشجي: حزن. وشجاه الهم يشجوه شجواً من باب قتل إذا أحزنه.

(2) راجع بعث حمزة في كتاب "محمد رسول اللّه" للمؤلف صفحة 193.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غزو الشام سنة 12 - 13هـ - 633 - 634م

- بعد أن عاد أبو بكر من الحج وجه الجنود إلى الشام تحت قيادة خالد بن سعيد بن العاص. وكان أول لواء عقده إلى الشام. وهو من الذين أسلموا قديما وهاجر إلى الحبشة، إلا أن أبا بكر عزله قبل أن يسير، وكان سبب عزله أنه تأخر عن بيعة أبي بكر شهرين ولقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقال يا أبا الحسن (يا بني عبد مناف، أغلبتم عليها؟) فقال علي: (أمغالبة ترى أم خلافة)؟

فأما أبو بكر فلم يحقدها عليه، وأما عمر فاضطغنها عليه، فلما ولاه أبو بكر لم يزل به عمر حتى عزله عن الإمارة وجعله رداء للمسلمين بتيماء(1) (جنوب شرقي تبوك) وأمره أن لا يفارقها إلا بأمره وأن يدعو من حوله من العرب إلا من ارتد وأن لا يقاتل من قاتله، فاجتمع إليه جموع كثيرة من الروم، وعلى ذلك أمره أبو بكر بالإقدام بحيث لا يؤتى من خلفه، فتقدم شمالا نحو البحر الميت فسار إليه بطريق الروم(2) ويدعى (باهان) ولما وجد أنه تقدم كثيرا كتب إلى أبي بكر يستمده. وكان قد قدم إلى أبي بكر بالمدينة جيوش المسلمين من اليمن بعد أن هزموا المرتدين، وكانوا على استعداد للحرب في جهات أخرى، فأرسل أبو بكر عكرمة بن أبي جهل والوليد بن عقبة لإمداد خالد في الشمال.

أسرع خالد بن سعيد في أوائل فصل الربيع للغزو ناسيا ما أمره به أبو بكر من عدم الزحف، فوقع في شرك باهان جهة دمشق، وكان قد وصل إلى مرج الصفر، شرقي بحيرة طبرية فأطبق عليه العدو من الخلف ومنعه من التقهقر، وقتل ابنه سعيد في المعركة وفر خالد بفلول جيشه إلى المدينة وبقي عكرمة رداء للجيش بدل خالد، فرد عنهم باهان وجنوده أن يطلبوه وأقام من الشام على قرب.

ثم أمر أبو بكر يزيد بن أبي سفيان على جيش عظيم هو جمهور من انتدب إليه، فيهم سهيل بن عمرو في أمثاله من أهل مكة وشيعه ماشيا وأوصاه وغيره من الأمراء.

-------------------

(1) تيماء بلد في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى على طريق حج الشام ودمشق. والأبلق الفرد: حصن السموءل بن عاديا مشرف عليه فلذلك كان يقال لها تيماء اليهود. قال بعض العرب يذكر تيماء:

إلى اللّه أشكو لا إلى الناس أنني بتيماء تيماء الهود غريب

وإني بتهباب الرياح موكل طروب إذا هبت على جنوب

وإن هب علوي الرياح وجدتني كأنني لعلوي الرياح نسيب

(2) البطريق: لقب عسكري رومي عال يعادل اليوم حنزال.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان

- كان مما قاله أبو بكر ليزيد:

(إني وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك، فعليك بتقوى اللّه فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك، وإن أولى الناس باللّه أشدهم توليا له وأقرب الناس من اللّه أشدهم تقربا إليه بعمله، وقد وليتك عمل خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن اللّه يبغضها ويبغض أهلها، وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز، فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به، ولا ترينهم فيروا خيلك ويعلموا علمك، وأنزلهم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولي لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك فيختلط أمرك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار، وتنكشف عنك الأستار، وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنهما أيسرهما لقربهما من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق، ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسدهم، ولا تتجسس عليهم فتفضحهم، ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم. ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء، وأصدق اللقاء، ولا تجبن فيجبن الناس. واجتنب الغلول(الخيانة في المغنم) فإنه يقر بالفقر ويدفع النصر، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له(1)).

وهذه من أحسن الوصايا وأكثرها نفعا لولاة الأمر، فإنه يذكر فيها واجبات القائد نحو جنده، ونحو عدوه، ومنع تعرض القائد للمتدينين الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع احتراما لدينهم.

وقد انقسم الجيش إلى ثلاثة أقسام كل قسم مؤلف من 5000 مقاتل، وأمر على اثنين منهما شرحبيل بن حسنة الذي كان قد قدم من عند خالد بن الوليد إلى أبي بكر، وعلى الثالث عمرو بن العاص، وعين لكل جيش وجهته في الشام فوجه عمرا إلى أيلة على رأس خليج العقبة(2). ومن ثم لغزو جنوب الشام أو فلسطين، ووجه يزيد وشرحبيل إلى تبوك، ثم غزوا أوساط الشام. وحمل معاوية بن أبي سفيان لواء أخيه يزيد وانضم خالد بن سعيد متطوعا إلى جيش شرحبيل وكان تعيين الأمراء الثلاثة في شهر صفر سنة 13هـ - نيسان إبريل سنة 634 م ثم لما وصلت الجيوش الأخرى إلى المدينة أرسلهم أبو بكر لإمداد جيوش الشام، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح. وعلى ذلك كان عدد الجيوش التي أرسلت أربعة، وكان أبو عبيدة أميرا عليهم جميعا، وبلغ عدد الجيش الزاحف 24000 بما في ذلك جيش عكرمة. وخرج نحو ألف من الصحابة في جيش الشام، ومن بينهم 100 ممن شهدوا موقعة بدر بخلاف جيش العراق فإن المهاجرين لم يقاتلوا فيه.

سار أبو عبيدة على باب من البلقاء(3) فقاتله أهله ثم صالحوه فكان أول صلح في الشام.

-------------------

(1) راجع (الكامل) لابن الأثير الجزء الثاني عند ذكر فتوح الشام.

(2) أيلة: مدينة لليهود حرم اللّه عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوه فمسخوا قردة وخنازير.

(3) البلقاء: منطقة في شرقي نهر الأردن قاعدتها السلط وبجودة حنطتها يُضرب المثل.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظروف الملائمة لفتح الشام

- كان امبراطور الروم يبعث إلى القبائل العربية في جنوبي فلسطين إعانة مالية سنوية، غير أنه اضطر بسبب ما أنفقه على الجيش في محاربة الفرس إلى قطع الإعانة عنهم مراعيا في ذلك الاقتصاد في النفقات وعلى ذلك اعتبرت هذه القبائل أنفسها أحرارا غير مقيدين بمحالفتهم الروم فانضموا إلى المسلمين. ثم إن أهل الشام أيضا أرهقتهم زيادة الضرائب فضلا عما كانوا يلاقونه من الاضطهادات الدينية، ولذلك لم يحركوا ساكنا، وقد كانوا يفضلون حكم العرب لحسن معاملتهم وعدلهم في أحكامهم، كل هذه كانت ظروفا ملائمة للمسلمين المهاجمين.

استعداد هرقل.

- وصل أمراء المسلمين إلى الشام فأخذ عمرو طريق المُعْرِقة(1) ونزل بالعربة وهي واد بين البحر الميت وخليج العقبة، ونزل أبو عبيدة الجابية(2)، ونزل يزيد البلقاء، ونزل شرحبيل الأردن وقيل بصرى. فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى عرقل، وكان في القدس فقال: (أرى أن تصالحوا المسلمين فواللّه لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقوا لكم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكم من أن يغلبوكم على الشام ونصف بلاد الروم) فتفرقوا عنه وعصوه فجمعهم وسار بهم إلى حمص فنزلها وأعد الجنود والعساكر، وأراد إشغال كل طائفة من المسلمين بطائفة من جنوده لكثرة عسكره لتضعف كل فرقة من المسلمين عمن بإزائها، فأرسل إلى عمرو أخاه تذارق(3) لأبيه وأمه فخرج نحوهم في 90.000 وبعث من يسوقهم حتى نزل صاحب الساقة ثنية جلق بأعلى فلسطين. وبعث جرجة بن توذار نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه. وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة. وبعث الفبقار بن نسطوس في 60.000 نحو أبي عبيدة فهابهم المسلمون، وكاتبوا عمرا أن ما الرأي؟ فأجابهم: أن الرأي لمثلنا الاجتماع، فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا يغلب من قلة، فإن تفرقنا لا تقوم كل فرقة بمن استقبلها لكثرة عدونا. وكتبوا إلى أبي بكر فأجابهم مثل جواب عمرو. وقال (إن مثلكم لا يؤتى من قلة إنما يؤتى العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب فاحترسوا من الذنوب واجتمعوا باليرموك متساندين، وليصل كل رجل منكم بأصحابه).

وكلن جميع فرق المسلمين 21.000 سوى عكرمة في 6000، وبلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم. واجتمع المسلمون باليرموك كما أمرهم أبو بكر، واجتمع الروم هناك أيضا وعليهم التذارق وعلى المقدمة جرجة وعلى مجنبتيه الدراقص وباهان، ولم يكن قد وصل بعد إليهم، وعلى الحرب الفيقار، فنزلوا الواقوصة وهي على ضفة اليرموك وصار الوادي خندقا لهم. وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين، وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزلوا عليهم بحذائهم على طريقهم، وليس للروم طريق إلا عليهم. فقال عمرو: (أيها الناس أبشروا حصرت واللّه الروم، وقل ما جاء محصور بخير) وأقاموا صفرا وشهري ربيع لا يقدرون منهم على شيء من الوادي والخندق، ولا يخرج عليهم الروم إلا ردهم المسلمون. وكان قتال المسلمين لهم على تساند أمير على أصحابه لا يجمعهم أحد حتى قدم خالد بن الوليد من العراق؛ وكان القسيسون والرهبان يحرضون الروم.

-------------------

(1) المعرقة: هي الطريق التي كانت قريش تسلكها إذا أرادت الشام.

(2) الجابية أصلها في اللغة الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل وهي قلاية من أعمال دمشق. ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصُّفَّر في شمال حوران.

(3) تذارق وهو تيودور (Theodore).

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام وموقعة اليرموك

- كان اهتمام أبي بكر الصديق بغزو الشام أشد من اهتمامه بالعراق. لذلك عول على استدعاء خالد بن الوليد وأمره بالمسير وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني، ووعده بأنه إذا انتصر في الشام أعاده إلى العراق. ثم بدأ خالد يختار جيشه فاستأثر خالد بأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم على المثنى، وترك للمثنى عددهم من أهل القناعة ممن ليس له صحبة. ثم قسم الجند نصفين، فقال المثنى: (واللّه لا أقيم على إنفاذ أمر أبي بكر، وباللّه ما أرجو النصر إلا بأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم) خرج معه 9000 وصاحبه المثنى إلى حدود الصحراء ليودعه.

سار خالد بجيشه فلما وصل إلى قراقر وهو ماء لكلب أغار على أهلها وأراد أن يسير عنهم مفوزا(1) إلى سوى وهو ماء لبهراء. ثم أتى أراك فصالحوه. ثم أتى تدمر(2) ففتحها صلحا، ذلك أنه لما مر بها في طريقه تحصن أهلها منه فأحاط بهم من كل وجه فلم يقدر عليهم. ولما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل قال: (يا أهل تدمر واللّه لو كنتم في السحاب لا ستنزلناكم ولأظهرنا اللّه عليكم، ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلن مدينتكم حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم).

فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدوه له ورضي به. ثم أتى خالد القريتين(3) فقاتلهم فظفر بهم، وغنم وأتى حوارين. فقاتل أهلها وهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم - وهي موضع بالبادية قرب الشام من نواحي العراق - فصالحه مشجعة من قضاعة وسار فوصل ثنية العقاب - وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص - ناشرا رايته العقاب وهي راية سوداء. ثم سار فأتى مرج راهط(4) فأغار على غسان في يوم فصحهم(5) فقاتل وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد ثن سار حتى وصل بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم، فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد وأهل العراق وبعث بالأخماس إلى أبي بكر، ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر باليرموك، فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش، وشرحبيل بن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش. فقال خالد:

(إن هذا اليوم من أيام اللّه، لا ينبغي فيه الفخر، ولا البغي فأخلصوا للّه جهادكم، وتوجهوا للّه تعالى بعملكم، فإن هذا يوم له ما بعده؛ وإن من وراءكم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا. فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم).

قالوا فما الرأي؟ قال إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم. وأنفع للمشركين من أمدادهم. ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم. واللّه فهلموا فلنتعاور(6) الإمارة. فليكن علينا بعضنا اليوم؛ وبعضنا غدا، والآخر بعد غد حتى يتامر كلكم؛ ودعوني اليوم عليكم. قالوا: نعم. فأمروه فكان الفتح على يد خالد. وجاء البريد(7) يومئذ بموت أبي بكر؛ وخلافة عمر، وتأمير أبي عبيدة على الشام كله؛ وعزل خالد.فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته، ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس بالأمر لئلا يضعفوا إلى أن هزم اللّه العدو؛ وقتل منهم نحو 100.000؛ ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة.

-------------------

(1) فاز: قطع امفازة، والمفازة الموضع المهلك، مأخوذ من فوز بالتشديد إذا مات لأنها مظنة الموت.

(2) تدمر: مدينة قديمة مشهورة في برية الشام بينها وبين حلب خمسة أيام.

(3) القريتين: قرية كبيرة من أعمال حمص في طريق البرية. قال أبو حذيفة في فتوح الشام "وسار خالد بن الوليد رضي اللّه عنه من تدمر إلى القريتين وهي التي تدعى حوارين وبينها وبين تدمر مرحلتان" غير أن حوارين قرية أخرى غير القريتين.

(4) مرج راهط بنواحي دمشق وهو أشهر المروج في الشعر فإذا ذكر مرج في الشعر فإياه يعني.

(5) فصح النصارى مثل الفطر وزناً ومعنى وهو الذي ياكلون فيه اللحم بعد الصيام وهو عيد لهم مثل عيد المسلمين.

(6) أي نتداول.

(7) البريد: الرسول وكان اسمه مَحْمِيَةُ بنُ زُنَيم.

الفهرس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

No comments:

Post a Comment