عوده الي الصفحه الرئيسيه

القران الكريم اون لاين

الاربعون النوويه من الحديث الثلاثون الي الحديث الثالث والثلاثون

الحديث الثلاثون:

حدود الله تعالى وحرماته

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام :(1-وجوب المحافظة على الفرائض والواجبات 2-الوقوف عند حدود الله تعالى 3-المنع من قربان المحرمات وارتكابها 4-رحمة الله تعالى بعباده 5-النهي عن كثرة البحث والسؤال)

ما يستفاد من الحديث

عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ جُرْثُومِ بن ناشِرٍ رضي اللهُ عنه، عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوها، وحَرَّمَ أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وسَكَتَ عَن أشيْاءَ - رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ - فلا تَبْحَثُوا عنها". حديث حسن رواه الدَّارَقُطْنِيّ وغيرُه .

حَسَّنَه النووي رحمه الله تعالى، ووافقه عليه الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، و صححه ابن الصلاح.

أهمية الحديث :

هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو وجيز

بليغ، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم أحكام الله إلى أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه. فمن عمل به فقد حاز الثواب وأمن العقاب، لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين، لأن الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث.

مفردات الحديث

" فرض الفرائض": أوجبها.

" فلا تضيعوها": فلا تتركوها أو تتهاونوا فيها حتى يخرج وقتها .

"حد حدودا": الحدود جمع حد، وهو لغة: الحاجز بين الشيئين، وشرعاً: عقوبة مُقَدَّرة من الشارع تَزْجُرُ عن المعصية.

"فلا تعتدوها": لا تزيدوا فيها عما أمر به الشرع، أو لا تتجاوزوها وقفوا عندها.

"فلا تنتهكوها": لاتقعوا فيها ولا تقربوها.

و "سكت عن أشياء": أي لم يحكم فيها بوجوب أو حرمة، فهي شرعاً على الإباحة الأصلية.

المعنى العام:

وجوب المحافظة على الفرائض والواجبات: والفرائض هي ما فرضه الله على عباده، وألزمهم بالقيام بها، كالصلاة والزكاة والصيام والحج.

وتنقسم الفرائض إلى قسمين : فرائض أعيان، تجب على كل مكلف بعينه، كالصلوات الخمس والزكاة والصوم.

وفرائض كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط الإثم عن الجميع، وإذا لم يقم بها أحد، أثم الجميع، كصلاة الجنازة، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. [ انظر الحديث 34] .

الوقوف عند حدود الله تعالى: وهي العقوبات المقَّدرة، الرادعة عن المحارم كحد الزنا، وحد السرقة، وحد شرب الخمر ، فهذه الحدود عقوبات مقدرة من الله الخالق سبحانه وتعالى، يجب الوقوف عندها بلا زيادة ولا نقص. وأما الزيادة في حد الخمر من جلد أربعين إلى ثمانين فليست محظورة، وإن اقتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر على جلد أربعين، لأن الناس لما أكثروا من الشرب زمن عمر رضي الله عنه ما لم يكثروا قبله، استحقوا أن يزيد في جلدهم تنكيلاً وزجراً، فكانت الزيادة اجتهاداً منه بمعنى صحيح مُسَوِّغ لها، وقد أجمع الصحابة على هذه الزيادة . [ انظر الفقه: كتاب الحدود حد الزنا والسرقة وشرب الخمر] .

المنع من قربان المحرمات وارتكابها: وهي المحرمات المقطوع بحرمتها، المذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد حماها الله تعالى ومنع من قربانها وارتكابها وانتهاكها {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151]. ومن يدقق النظر في المحرمات، ويبحث عن علة التحريم بعقل نَيِّر ومنصف، فإنه يجدها محدودة ومعدودة، وكلها خبائث، وكل ما عداها فهو باق على الحل، وهو من الطيبات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] .

رحمة الله تعالى بعباده: صرح النبي عليه الصلاة وسلام أن سكوت الله عن ذكر حكم أشياء، فلم ينص على وجوبها ولا حلها ولا تحريمها، إنما كان رحمة بعباده ورفقاً بهم، فجعلها عفواً، إن فعلوها فلا حرج عليهم، وإن تركوها فلا حرج عليهم أيضاً. ولم يكن هذا السكوت منه سبحانه وتعالى عن خطأ أو نسيان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [ طه: 52].

النهي عن كثرة البحث والسؤال: ويحتمل أن يكون النهي الوارد في الحديث عن كثرة البحث والسؤال خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كثرة البحث والسؤال عما لم يذكر قد يكون سبباً لنزول التشديد فيه بإيجاب أو تحريم، ويحتمل بقاء الحديث على عمومه، ويكون النهي فيه لما فيه من التعمق في الدين، قال صلى الله عليه وسلم:

" ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم " وقال صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون" والمتنطع: الباحث عما لا يعنيه، أو الذي يدقق نظره في الفروق البعيدة.

وقد كف الصحابة رضوان الله عليهم عن إكثار الأسئلة عليه صلى الله عليه وسلم حتى كان يعجبهم أن يأتي الأعراب يسألونه فيجيبهم، فيسمعون ويَعُونَ. ومن البحث عما لا يعني البحث عن أمور الغيب التي أُمرنا بالإيمان بها ولم تتبين كيفيتها، لأنه قد يوجب الحيرة والشك، وربما يصل إلى التكذيب.

وأخرج مسلم: "لا يزال الناس يسألون حتى يقال: هذا اللهُ خَلَقَ الخلقَ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله".

ما يستفاد من الحديث: الأمر باتباع الفرائض والتزام الحدود، واجتناب المناهي، وعدم الاستقصاء عما عدا ذلك رحمة بالناس.

الحديث الحادي والثلاثون:

حقيقة الزُّهدِ وثمَراته

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-معنى الزهد 2-أقسام الزهد 3-الحامل على الزهد 4-تحقير شأن الدنيا والتحذير من غرورها 5-الذم الوارد للدنيا ليس للزمان ولا للمكان 6-كيف نكتسب محبة اله تعالى 7-كيف نكتسب محبة الناس 8-زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزهد أصحابه الكرام 9-الزهد الأعجمي)

عن أبي العَبَّاسِ سَهْلِ بن سعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللهُ عنه قال: جاء رَجُلٌ إلى النَّبِّي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسوَل اللهِ، دُلَّني على عَمَلٍ إذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّني اللهُ وأَحَبَّني النَّاسُ. فقال: "ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللهُ، وازْهَدْ فيما عِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ". حديث حسن رواه ابن ماجه وغَيْرُهُ بأسانيدَ حَسَنة.

مفردات الحديث:

"أحبني الله": أثابني وأحسن إليَّ "وأحبني الناس": مالوا إلي ميلاً طبيعياً ، لأن محبتهم تابعة لمحبة الله، فإذا أحبه الله ألقى محبته في قلوب خلقه.

"ازهد": من الزهد، وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقاراً له، وشرعاً: أخذ قدر الضرورة من الحلال المتيقَّن الحِلّ."يحبَّك الله": بفتح الباء المشددة، مجزوم في جواب الأمر.

المعنى العام:

معنى الزهد: تنوعت عبارات السلف والعلماء الذين جاؤوا بعدهم في تفسير الزهد في الدنيا، وكلها ترجع إلى ما رواه الإمام أحمد عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه أنه قال: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، إنما الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يديك وإذا أصبت مصيبة كنت أشد رجاء لأجرها وذخرها من إياها لو بقيت لك"

وفي هذا القول تفسير الزهد بثلاث أمور كلها من أعمال القلوب لا من أعمال الجوارح، وهذه الأمور الثلاثة هي:

أن يكون العبد واثقاً بأن ما عند الله تعالى أفضل مما في يده نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين، والوثوق بما ضمنه الله تعالى من أرزاق عباده، قال الله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]. أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياه، كذهاب مال أو ولد، أرغب في ثواب ذلك أكثر مما لو بقي له.

أن يستوي عند العبد حامده وذامه في الحق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: اليقين أن لا تُرضي الناس بسخط الله.

الزهد في الدنيا أن لا تأس على ما فات منها، ولا تفرح بما أتاك منها.

أقسام الزهد: قسَّم بعض السلف الزهد إلى ثلاثة أقسام:

الزهد في الشرك وفي عبادة ما عُبِد من دون الله.

الزهد في الحرام كله من المعاصي.

الزهد في الحلال.

والقسمان الأول والثاني من هذا الزهد كلاهما واجب، والقسم الثالث ليس بواجب.

الحامل على الزهد: والذي يحمل الإنسان على الزهد أمور منها:

استحضار الآخرة، ووقوفة بين يدي خالقه في يوم الحساب والجزاء، فحينئذ يغلب شيطانه وهواه، ويصرف نفسه عن لذائذ الدنيا الفانية.

استحضار أن لذات الدنيا شاغلة للقلوب عن الله تعالى.

كثرة التعب والذل في تحصيل الدنيا، وسرعة تقلبها وفنائها، ومزاحمة الأرذال في طلبها، وحقارتها عند الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء". رواه الترمذي.

استحضار أن الدنيا ملعونة، كما في الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه: "الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله تعالى وما والاه، أو عالم أو متعلم".

تحقير شأن الدنيا والتحذير من غرورها: والزاهد في الدنيا يزيد موقفه صلابة وقوة عندما يتلو آيات ربه عز وجل، فيجد فيها تحقير شأن الدنيا والتحذير من غرورها وخداعها، قال الله تعالى:{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16-17]. وقال سبحانه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى} [النساء: 77] وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليمِّ فلينظر بما يرجع".

الذم الوارد للدنيا ليس للزمان ولا للمكان: وهذا الذم الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية للدنيا، لا يرجع إلى زمانها الذي هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة.

ولا يرجع الذم للدنيا إلى مكانها الذي هو الأرض التي جعلها الله مهاداً ومسكناً، ولا إلى ما أنبته فيهامن الزرع والشجر، ولا إلى ما بث فيها من مخلوقات، فإن ذلك كله من نِعَم الله على عباده، ولهم في هذه النعم المنافع والفوائد، والاستدلال بها على قدرة الله عز وجل ووجوده.

بل الذم الوارد يرجع إلى أفعال الناس الواقعة في هذه الحياة الدنيا لأن غالبها مخالف لما جاء به الرسل، ومضر لا تنفع عاقبته، قال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20].

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: وانقسم بنو آدم في الدنيا إلى قسمين:

أحدهما: من أنكر أن يكون للعباد دار بعد الدنيا للثواب والعقاب وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7-8]. وهؤلاء همهم التمتع في الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت. والقسم الثاني: من يُقِرّ بدار بعد الموت للثواب والعقاب، وهم المنتسبون إلى شرائع المرسلين. وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله.

فالأول: وهم الأكثرون، الذين وقفوا مع زهرة الدنيا بأخذها من غير وجهها واستعمالها في غير وجهها، فصارت أكبر همهم، وهؤلاء هم أهل اللهو اللعب والزينة والتفاخر والتكاثر، وكل هؤلاء لم يَعْرِفَ المقصودَ منها، ولا أنها منزل سفر يتزود منها إلى دار الإقامة.

والثاني : أخذها من وجهها، لكنه توسع في مباحاتها، وتلذذ بشهواتها المباحة، وهو وإن لم يعاقب عليها، ولكنه ينقص من درجاته في الآخرة بقدر توسعه في الدنيا، روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله إذا أحب عبداً حماه من الدنيا كما يَظَلُّ أحدكم يحمي سقيمه من الماء".

والثالث: هم الذين فهموا المراد من الدنيا، وأن الله سبحانه إنما أسكن عباده فيها وأظهر لهم لذاتها ونضرتها، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فمن فهم أن هذا هو مآلها واكتفى من الدنيا بما يكتفي به المسافر في سفره، وتزود منها لدار القرار.

روى الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه، وبئست الدار لمن صدت به عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه".

كيف نكتسب محبة الله تعالى: نستطيع أن نكتسب محبة الله تعالى بالزهد في الدنيا والابتعاد عن محبتها الممنوعة أي عن إيثارها لنيل الشهوات واللذات وكل ما يشغل عن الله تعالى. أما محبتها لفعل الخير والتقرب به إلى الله فهو محمود، لحديث " نعم المال الصالح للرجل الصالح يصل به رحماً، ويصنع به معروفاً" رواه الإمام أحمد.

كيف نكتسب محبة الناس: ويعلمنا الحديث كيف ننال محبة الناس، وذلك بالزهد فيما في أيديهم، لأنهم إذا تركنا لهم ما أحبوه أحبونا، وقلوب أكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا، ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه. قال الأعرابي لأهل البصرة: من سيدكم ؟ قالوا: الحسن. قال: بما سادكم ؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم. فقال: ما أحسنَ هذا .

وأحق الناس باكتساب هذه الصفة الحكام والعلماء، لأن الحكام إذا زهدوا أحبهم الناس واتبعوا نهجهم وزهدهم، وإذا زهد العلماء أحبهم الناس واحترموا أقوالهم وأطاعوا ما يعظون به وما يُرْشِدون إليه.

زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزهد أصحابه الكرام: وإذا كنا نبحث عن القدوة في حياة الزاهدين، فإننا نجد ذلك متمثلاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً وسلوكاً، لقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها، وفي أيام الشِّدة والرخاء زاهداً في متاع الدنيا، طالباً للآخرة، جاداً في العبادة. وقد تأسى به أصحابه الكرام فكانوا سادة الزهاد وأسوة للزاهدين.

لقد جاءتهم الدنيا بالأموال الحلال فأمسكوها تقرباً لله تعالى وأنفقوها في خدمة دينه وإعلاء كلمته.

الزهد الأعجمي: إن الزهد بمعناه الإسلامي هو ما بيناه، أما الزهد الأعجمي فهو الإعراض الكامل عن نعم الله والتحقير لها، والحرمان من الاستمتاع بشيء منها، وقد تأثر بعض المسلمين بهذا المفهوم الأعجمي للزهد، فأصبحنا نجد أناساً في عصر ضعف الدولة العباسية وما بعده، يَلْبَسون المرقعات ويقعدون عن العمل والكسب، ويعيشون على الإحسان والصدقات، ويَدَّعون أنهم زاهدون.

مع أن روح الإسلام تأبى هذه السلبية القاتلة، وترفض هذا العجز المميت، وتنكر هذا الذل والتواكل.

والمسلمون اليوم أصحاء من مثل هذه العقلية المريضة، يندفعون إلى العمل والكسب الحلال، ويتنافسون في تحصيل الربح وإعمار الأرض، حتى أصبحنا نخاف على أنفسنا الغفلة عن الآخرة، ونبحث عن المهدئات التي تذكرنا بالله تعالى وتدعونا إلى الزهد في الدنيا.

الحديث الثاني والثلاثون:

نفي الضرر في الإسلام

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام :(1-لا تكليف في الإسلام بما فيه ضرر، ولا نهي عما فيه نفع 2-رفع الحرج 3-مظاهر الضرر )

عن أبي سَعِيدٍ سَعْدِ بن سِنَانٍ الخُدْرِي رضي اللهُ عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ".

حديث حسن، رواه ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُهما مسنَداً .

أهمية الحديث:

قال أبو داود السِّجِسْتَاني :إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها.

مفردات الحديث

الضرر أن يُلْحِقَ الإنسان أذىً بمن لم يؤذه، والضرار أن يلحق أذى بمن قد آذاه على وجه غير مشروع.

المعنى العام:

المنفي هو الضرر لا العقوبة والقصاص: المراد بالضرر في الحديث هو ما كان بغير حق، أما إدخال الأذى على أحد يستحقه - كمن تعدى حدود الله تعالى فعوقب على جريمته، أو ظلم أحداً فعومل بالعدل وأوخذ على ظلمه - فهو غير مراد في الحديث لأنه قصاص شرعه الله عز وجل.

بل من نفي الضرر أن يُعَاقَبَ المجرم بِجُرمه ويؤخذ الجاني بجنايته، لأن في ذلك دفعاً لضرر خطير عن الأفراد والمجتمعات.

لا تكليف في الإسلام بما فيه ضرر، ولا نهي عما فيه نفع: إن الله تعالى لم يكلف عباده فعل ما يضرهم ألبتة، كما أنه سبحانه لم ينههم عن شيء فيه نفع لهم، ففيما أمرهم به عين صلاحهم في دينهم ودنياهم، وفيما نهاهم عنه عين فساد معاشهم ومعادهم. قال تعالى: {قلْ أمرَ ربِّي بالقِسْطِ} [ الأعراف: 29] وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

رفع الحرج: من نفي الضرر في الإسلام رفع الحرج عن المكلف، والتخفيف عنه عندما يوقعه ما كُلِّف به في مشقة غير معتادة، ولا غرابة في ذلك فإن هذا الدين دينُ التيسير، قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [ البقرة: 286].

ومن أمثلة التخفيف عن المكلف عند حصول المشقة:

التيمم للمريض وعند عسر الحصول على الماء.

الفطر للمسافر والمريض [ انظر الفقه: باب التيمم والصيام ]

انظار المدين المعسر: من استدان في مباح لِأَجَل ولم يتمكن من الوفاء، وجب على دائنه تأخير مطالبته إلى حال يساره، قال تعالى: {وإن كان ذو عُسرةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] وقرر الفقهاء هنا أنه لا يُلزم بقضاء ما عليه مما في خروجه من ملكه ضرر عليه، كثيابه ومسكنه وخادمه المحتاج إليه، وكذلك ما يحتاج للتجارة بل ليحصل على نفقة نفسه وعياله.

مظاهر الضرر: قد يتجلى قصد الضرر في نوعين من التصرفات:

تصرفات ليس للمكلف فيها غرض سوى إلحاق الضرر بغيره، وهذا النوع لا ريب في قبحه وتحريمه.

تصرفات يكون للمكلف فيها غرض صحيح مشروع، ولكن يرافق غرضه أو يترتب عليه إلحاق ضرر بغيره.

النوع الأول من التصرفات: لقد ورد الشرع في النهي عن كثير من التصرفات التي لا يقصد منها غالباً إلا إلحاق الضرر منها:

المضارة في البيع: ويتناول صوراً عِدَّة منها:

بيع المضطر: وهو أن يكون الرجل محتاجاً لسلعة ولا يجدها ، فيأخذها من بائعها بزيادة فاحشة عن ثمنها المعتاد، كأن يشتريها بعشرة وهي تساوي خمسة.

أخرج أبو داود من حديث علي رضي الله عنه: أنه خطب الناس فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر.

الغَبْنُ الفاحش: إذا كان المشتري لا يحسن المماكسة (المفاصلة) فاشترى بغبن كثير، لم يجز للبائع ذلك. ومذهب مالك وأحمد رحمهما الله تعالى أنه يثبت له خيار الفسخ.

الوصية: والإضرار بالوصية على حالين.

أن يَخُصَّ بعض الورثة بزيادة على فرضه الذي فرضه الله له، فيتضرر بقية الورثة بتخصيصه، ولذا منع الشارع من ذلك إذا لم يرض باق الورثة.

أن يوصي لأجنبي لينقص حقوق الورثة، ولذا منع الشرع من ذلك فيما زاد عن الثلث سواء قصد المضارة أم لا، إلا إذا أجاز الورثة، قال صلى الله عليه وسلم: " الثلثُ والثلثُ كثير". متفق عليه.

وأجازها في حدود الثلث ليتدارك المكلف بعض ما فاته من الخيرات في حياته، وما قَصَّر فيه عن وجوه الإنفاق. وهذا إذا لم يقصد الوصي بوصيته إدخال الضرر على الورثة، وإلا فإنه يأثم بوصيته عند الله عز وجل.

النوع الثاني من التصرفات: وهي التي يكون للمتصرف فيها غرض صحيح ومشروع، ولكن قد يرافقها أو يترتب عليها ضرر بغيره. وذلك: بأن يتصرف في ملكه بما يتعدى ضرره إلى غيره، أو يمنع غيره من الانتفاع بملكه، فيتضرر الممنوع بذلك.

النوع الأول: وهو التصرف في ملكه بما يتعدى ضرره، وهو على حالتين:

أن يتصرف على وجه غير معتاد ولا مألوف، فلا يسمح له به، وإن تصرف وتضرر غيره ضمن ما حصل من ضرر، وذلك كأن يؤجج ناراً في أرضه في يوم عاصف، فيحترق ما يليها، فإنه متعد بذلك وعليه الضمان.

أن يتصرف على الوجه المعتاد.

أن يُحْدِث في ملكه ما يضر بجيرانه، من هدم أو دق أو نحوهما، أو يضع ما له رائحة خبيثة، فإنه يُمنع منه.

النوع الثاني: وهو منع غيره من التصرف في ملكه وتضرر غيره بهذا المنع.

أن يمنع جاره من الانتفاع بملكه والارتفاق به: فإن كان يضر بمن انتفع بملكه فله المنع، كمن له جدار واهٍ، لا يحمل أكثر مما هو عليه، فله أن يمنع جاره من وضع خشبة عليه. وإن كان لا يضر به: له المنع من التصرف في ملكه بغير إذنه.

فائدة: ذكر السيوطي في كتابه "الأشباه والنظائر" أن مَرَدَّ مذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أربع قواعد:

الأولى: "اليقين لا يُزَالُ بالشك". وأصل ذلك ما رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم شُكِيَ له الرجل يُخَيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". وذلك أنه على يقين من طهارته، فلا يرفع ذلك اليقين بالشك الذي طرأ عليه: أنه أحدث.

الثانية: "المشقة تجلب التيسير". والأصل فيها قوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [ الحج: 78 ]. وقوله صلى الله عليه وسلم:" بعثت بالحنفية السمحة" رواه أحمد في مسنده.

الثالثة: "الضرر يزال" وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار".

الرابعة: "العادة مُحَكَّمَة". لقوله صلى الله عليه وسلم:"فما رأى المسلمون حسنا فهو عن الله حسن". (والصحيح أن هذا الحديث هو قول ابن مسعود رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في مسنده).

وبناء على ما سبق يعتبر هذا الحديث ربع الفقه الإسلامي، ولقد اعتبره الفقهاء قاعدة أصلية من القواعد الفقهية، وفرَّعوا عنها فروعاً عدة.

الحديث الثالث والثلاثون:

أُسُسُ القضاء في الإسلام

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-سمو التشريع الإسلامي 2-البينة وأنواعها 3-البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه 4-حجة المدعي مقدمة على حجة المدعى عليه 5-القضاء بالنكول 6- بم تكون اليمين 7-قضاء القاضي بعلمه 8-القضاء لا يُحِل حراماً ولا يُحرِّم حلالاً 9-أجر القاضي العادل )

عن ابن عَبَّاسٍ رضي اللُه عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أموالَ قَوْمٍ ودِماءَهُمْ لَكِنْ البَيِّنَةُ على المُدَّعِى والْيَمينُ على من أَنْكَرَ". حديث حسَنٌ، رَوَاهُ الْبَيْهقي وغيرُهُ هكذا، وبَعْضُهُ في الصحِيحَين.

أهمية الحديث:

قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام.

مفردات الحديث:

"لادَّعى رجال": أي لاستباح بعض الناس دماء غيرهم وأموالهم وطلبوها دون حق.

"البَيِّنَةُ": هي الشهود، مأخوذة من البيان وهو الكشف والإظهار، أو إقرار المدعَى عليه وتصديقه للمدعي.

"على المُدَّعِي": وهو من يدعي الحق على غيره يُطالبه به.

"الْيَمينُ" : الحَلِفُ على نفي ما ادعي به عليه.

"على من أَنْكَرَ": منكر الدعوى وهو المدعى عليه.

المعنى العام:

سموُّ التشريع الإسلامي: الإسلام منهج متكامل للحياة، فيه العقيدة الصافية، والعبادة الخالصة، والأخلاق الكريمة، والتشريع الرفيع، الذي يضمن لكل ذي حق حقه، ويصون لكل فرد دمه وماله وعرضه، ولما كان القضاء هو المرجع والأساس في فصل المنازعات وإنهاء الخصومات، والحكم الفصل في إظهار الحقوق وضمانها لأصحابها، وضع له الإسلام القواعد والضوابط التي تمنع ذوي النفوس المريضة من التطاول والتسلط، وتحفظ الأمة من العبث والظلم، وخير مثال على ذلك حديث الباب، الذي يشرط ظهور الحجج لصحة الدعوى ومضائها، ويقرر ما هي حجة كل من المتداعيين المناسبة له، والتي يعتمد عليها القاضي في تعرف الحق وإصدار الحكم على وفقه.

البينة وأنواعها: أجمع العلماء على أن المراد بالبينة الشهادة، لأنها تكشف الحق وتظهر صدق المدعي غالباً، والشهادة هي طريق هذا الكشف والإظهار، لأنها تعتمد على المعاينة والحضور.

والثابت في شرع الله عز وجل أنواع أربعة للشهادات:

الشهادة على الزنا: وهذه يشترط فيها أربعة رجال ولا يُقبل فيها قول النساء . [انظر الفقه شروط ثبوت الزنا ].

الشهادة على القتل والجرائم التي لها عقوبات محددة: كالسرقة وشرب الخمر والقذف،وتسمى في الفقه بالحدود، ويشترط فيها رجلان، ولا يُقبل فيها قول النساء أيضاً.

الشهادة لإثبات الحقوق المالية: كالبيع والقرض والإجارة، فإنها يقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.

الشهادة على ما لا يطلع عليه والرجال غالباً من شؤون النساء: كالولادة والبَكَارة والرضاع ونحوها، وهذا النوع تقبل فيه شهادة النساء وإن انفردن عن الرجال، وربما قُبِلت فيه شهادة المرأة الواحدة كما هو مذهب الحنفية .

البينة حجة المدعي واليمين حجة المدَّعى عليه: القاضي المسلم مأمور بالقضاء لمن قامت الحجة على صدقه، سواء أكان مدعياً أم مدعىً عليه، وقد جعل الشرع الحكيم البينة حجة المدعي إذا أقامها استحق بها ما ادعاه، كما جعل اليمين حجة المدعى عليه فإذا حلف برىء مما ادعي عليه.

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعي:"شاهداك أو يمينه" رواه مسلم.

حجة المدعي مُقَدَّمة على حجة المدعى عليه: إذا توفرت شروط الدعوى لدى القضاء سمعها القاضي. ثم سأل المدعى عليه عنها: فإذا أقر بها قضي عليه، لأن الإقرار حجة يُلْزَم بها المُقِر. وإن أنكر، طلب القاضي من المدعي البينة، فإن أتى بها قضي له، ولم يلتفت إلى قول المدعى عليه أو إنكاره وإن غَلَّظ الأَيْمَان. فإن عَجَز المدعى عن إقامة البينة، وطلب يمين خصمه، استحلفه القاضي، فإن حلف برىء وانتهت الدعوى.

القضاء بالنُّكُول: إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل عنها، أي رفض أن يحلف وامتنع عن اليمين، قضي عليه بالحق الذي ادعاه المدعي لدى الحنفية والحنابلة.

قال المالكية والشافعية: لا يقضى عليه بالنكول، إنما ترد اليمين على المدعي.

بم تكون اليمين: إذا توجهت اليمين على أحد من المتخاصمين حلَّفه القاضي بالله تعالى، ولا يجوز أن يحلِّفه بغير ذلك: سواء كان الحالف مسلماً أم غير مسلم. روى البخاري ومسلم وغيرهما: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمُت".

ومن هذا: إحضار المصحف وتحليفه عليه إن كان الحالف مسلماً، مع مراعاة شروط مس القرآن وحمله وآدابه، وأن يحلف بالله تعالى الذي أنزل التوارة على موسى إن كان يهودياً، وبالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى إن كان نصرانياً، وبالله تعالى الذي خلقه وصوره إن كان وثنياً، ونحو ذلك.

آداب اليمين: إذا توجهت اليمين على الحالف فيستحب للقاضي ونحوه أن يعظه قبل الحلف، ويحذره من اليمين الكاذبة.

فإن كان من توجهت عليه اليمين يعلم من نفسه الكذب وجب عليه أن يعترف بالحق الذي عليه، ويتورع عن الحلف، حتى لا يقع في غضب الله تعالى والحرمان من رحمته.

وإن كان يعلم من نفسه الصدق كان الأولى في حقه أن يحلف، وربما وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى شرع اليمين في هذه الحالة حتى يصون المسلم حقه من الضياع.

تحليف الشهود: للقاضي أن يستحلف الشهود، تقوية لشهادتهم، ودفعاً للريبة.

قضاء القاضي بعلمه: إذا كان القاضي على علم بحقيقة الدعوى التي رفعت إليه، فليس له أن يحكم بمقتضى علمه، وإنما يحكم بناء على ما يتوفر له من الحجج الظاهرة للمدعي أو المدعى عليه، حتى ولو كانت هذه الحجج مخالفة لعلمه.

القضاء لا يُحِلّ حراماً ولا يُحَرِّم حلالاً: إذا توفرت لدى القضاء وسائل الإثبات أو النفي من الحجج الظاهرة كالبينة أو اليمين قضى بها، لأنه مأمور باتباع ما ظهر له من الأدلة كما علمنا، فيلزم المقضي عليه بتنفيذ ما قضي به. ولكن هذا القضاء قد يكون على خلاف الحق من حيث الواقع، كما لو أتى المدعي بشاهدي زور، أو حلف المدعى عليه يميناً كاذبة، ففي هذه الحالة لا يحل للمقضي له ما قضي به، وهو يعلم من نفسه أنه ليس بحق له، كما لا يحرم على المقضي عليه ما يعلم من نفسه أنه حلال له وحق.

ومثال ذلك: ما لو شهد شاهدان بطلاق امرأة زوراً، وأنكر الزوج تطليقها، وحكم القاضي بالفراق، فإنه لا يحل لهذه المرأة أن تتزوج بأحد غير زوجها الأول، لأنها ما زالت زوجة في شرع الله عز وجل، كما لا يحرم على زوجها معاشرتها، لأنها في الحقيقة لم تطلق منه.

أجر القاضي العادل: إن واجب القاضي أن يبذل جهده للتعرف على جوانب الدعوى، ويقضي بحسب ما توصل إليه اجتهاده أنه الحق، وظن أنه الصواب، قال صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". [متفق عليه].

روى أبو داود وغيره: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار: فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار".

الحديث الرابع والثلاثون:

إزَالَةُ المُنْكَرِ فَريضَةٌ إسلاميّة

مفردات الحديث

المعنى العام:(1-مجاهدة أهل الباطل 2-إنكار المنكر 3-الإنكار بالقلب 4-الإنكار باليد أو اللسان له حكمان : فرض كفاية وفرض عين 5-عاقبة ترك إزالة المنكر مع القدرة عليها 6-ترك الإنكار خشية وقوع مفسدة 7-أمر الأمراء ونهيهم 8-الغلظة واللِّين في الأمر والنهي 9-لا إنكار لما اختلف فيه 10-من آداب الآمر والناهي 11-النية والقصد في الأمر والنهي )

عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقوُل :

"مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لمَْ يَسْتَطِعْ فَبلِسانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ اْلإِيمَانِ". رواه مسلم.

مفردات الحديث:

"منكم": أي من المسلمين المكلَّفين، فهو خطاب لجميع الأمة.

"منكراً": وهو ترك واجب أو فعل حرام ولو كان صغيرة.

"فليغيره": فليزله ويذهبه ويغيره إلى طاعة.

"بيده": إن توقف تغييره عليها ككسر آلات اللهو وإراقة الخمر ومنع ظالم عن ضرب ونحوه.

المعنى العام:

مجاهدة أهل الباطل: إن الحق والباطل مقترنان على وجه الأرض منذ وجود البشر، وكلما خمدت جذور الإيمان في النفوس بعث الله عز وجل من يزكيها ويؤججها، وهيأ للحق رجالاً ينهضون به وينافحون عنه، فيبقى أهل الباطل والضلال خانعين، فإذا سنحت لهم فرصة نشطوا ليعيثوا في الأرض الفساد، وعندها تصبح المهمة شاقة علىمن خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، ليقفوا في وجه الشر يصفعونه بالفعل والقول، وسخط النفس ومقت القلب.

أخرج مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كانت له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلوا، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

حواريون: خلصاء أصفياء، تخلف : تحدث.

خلوف: جمع خَلْف وهو الذي يخلف بشر.

إنكار المنكر: لقد أجمعت الأمة على وجوب إنكار المنكر، فيجب على المسلم أن ينكر المنكر حسب طاقته، وأن يغيره حسب قدرته على تغييره، بالفعل أو القول، بيده أو بلسانه أو بقلبه:

الإنكار بالقلب: من الفروض العينية التي يُكَلَّف بها كل مسلم، ولا تسقط عن أحد في حال من الأحوال، معرفة المعروف والمنكر، وإنكار المنكر في القلب، فمن لم يعرف المعروف والمنكر في قلبه هلك، ومن لم ينكر المنكر في قلبه دل على ذهاب الإيمان منه. قال ابن مسعود : هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر.

إنكار القلب عند العجز: إنكار القلب يُخَلِّص المسلم من المسؤولية إذا كان عاجزاً عن الإنكار باليد أو اللسان. قال ابن مسعود رضي الله عنه : يوشك من عاش منكم أن يرى منكراً لا يستطيع له غير أن يَعلم اللهُ من قلبه أنه له كاره.

والعجز أن يخاف إلحاق ضرر ببدنه أو ماله، ولا طاقة له على تحمل ذلك، فإذا لم يغلب على ظنه حصول شيء من هذا لا يسقط عنه الواجب بإنكار قلبه فقط، بل لابد له من الإنكار باليد أو اللسان حسب القدرة.

الرضا بالمعصية كبيرةٌ: من علم بالخطيئة ورضي بها فقد ارتكب ذنباً كبيراً، وأتى أقبح المحرمات، سواء شاهد فعلها أم غاب عنه، وكان إثمه كإثم من شاهدها ولم ينكرها. روى أبو داود عن العُرْسِ بن عميرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُمِلَت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة: أنكرها - كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فَرَضِيَها كمن شهدهها". وذلك لأن الرضا بالخطيئة يفوت به إنكار القلب، وقد علمنا أنه فرض عين، وترك فرض العين من الكبائر.

الإنكار باليد أو اللسان له حكمان:

فرض كفاية: إذا رأى المنكر أو علمه أكثر من واحد من المسلمين وجب إنكاره وتغييره على مجموعهم، فإذا قام به بعضهم ولو واحداً كفى وسقط الطلب عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم كل من كان يتمكن منه بلا عذر ولا خوف، ودل على الوجوب على الكفاية قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]. والأمة الجماعة، وهي بعض المسلمين.

فرض عين: وإذا رأى المنكر أو علمه واحد، وهو قادر على إنكاره أو تغييره، فقد تعين عليه ذلك. وكذلك إذا رآه أو علمه جماعة، وكان لا يتمكن من إنكاره إلا واحد منهم، فإنه يتعين عليه، فإن لم يقم به أثم.

عاقبة ترك إزالة المنكر مع القدرة عليها: إذا تُرِكَ النهي عن المنكر استشرى الشر في الأرض، وشاعت المعصية والفجور، وكثر أهل الفساد، وتسلطوا على الأخيار وقهروهم، وعجز هؤلاء عن ردعهم بعد أن كانوا قادرين عليهم، فتطمس معالم الفضيلة، وتعم الرذيلة، وعندها يستحق الجميع غضب الله تعالى وإذلاله وانتقامه، قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 - 79]. لا يتناهون: لا ينهى بعضهم بعضاً إذا رآه على المنكر. والأحاديث في هذا كثيرة، منها:

ما أخرج أبو داود: عن أبي بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".

تصحيح لفهم خاطئ: يخطئ الكثير من المسلمين حين يرغبون في تبرير انهزامهم وتقصيرهم في إنكار المنكر، فيحتجون بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]. على أن الآية نفسها توجب القيام بإنكار المنكر إذا فُهِمت الفهمَ الصحيح، فقد روى أبو داود وغيره عن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب".

قال النووي رحمه الله في (( شرح مسلم )) : المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية : إنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب، فلا عتب بعد ذلك على الناهي أو الآمر، لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي، لا القبول، والله أعلم.

ترك الإنكار خشية وقوع مفسدة: إذا كان المكلف قادراً على إنكار المنكر الذي رآه أو علمه، لكنه غلب على ظنه أن تحدث نتيجة إنكاره مفسدة ويترتب عليه شر، هو أكبر من المنكر الذي أنكره أو غيره، فإنه في هذه الحالة يسقط وجوب الإنكار، عملاً بالأصل الفقهي: يُرَتَكَبُ أَخَفُّ الضررين تفادياً لأشدهما.

على أنه ينبغي أن يتنبه هنا إلى أن الذي يسقط وجوب الإنكار غالبية الظن، لا الوهم والاحتمال الذي قد يتذرع به الكثير من المسلمين، ليبرروا لأنفسهم ترك هذا الواجب العظيم من شرع الله عز وجل.

ذهب العلماء إلى القول بوجوب الأمر والنهي حتى لمن علم أنه لا يقبل، ليكون في هذا معذرة للمسلم الآمر الناهي، ولأن المطلوب منه هو الإنكار لا القبول، لأن الله تعالى يقول: {فذكِّرْ إنما أنتَ مذكر} [الغاشية: 21] ويقول: {إنْ عليكَ إلا البلاغ} [الشورى: 48].

وفي ذلك رد صريح على أولئك الذين يجبنون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويريدون أن يصدوا غَيرهم عن القيام بواجبه، فيقولون: لا تُتْعِب نفسك، ودع الأمور، لا فائدة من الكلام، وربما احتجوا خاطئين بقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56]. ويغيب عن ذهنهم أنها نزلت في شأن أبي طالب، الذي مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، حتى لَفَظَ الأنفاس الأخيرة وهو على شركه، فنزلت الآية تواسي النبي صلى الله عليه وسلم لحزنه على عمه الذي دافع عنه وناصره، مبينة له: أنه لا يستطيع أن يجعل الهداية في قلب من أحب، لا أنها تنهاه عن الأمر والنهي.

قول الحق دون خوف أو رهبة: على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر دون أن يلتفت إلى شأن من يأمره أو ينهاه، من منصب أو جاه أو غنى، ودون أن يلتفت إلى لوم الناس وعبثهم وتخذيلهم، ودون أن يأبه بما قد يناله من أذى مادي أو معنوي يقدر على تحمله ويدخل في طاقته، على أن يستعمل الحكمة في ذلك، ويخاطب كُلاًّ بما يناسبه، ويعطي كل موقف ما يلائمه. أخرج الترمذي وابن ماجه، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة: "ألا لا يَمْنَعَنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول الحق إذا علمه".

أمر الأمراء ونهيهم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الأمة، كما أنه حق لها. والأمة رئيس ومرؤوس، فكما يجب على الأمراء أن يأمروا وينهَوا الرعية كذلك يجب على الأمة أن تأمر وتنهى أمراءها، قياماً بالواجب وأداءً للحق.

ورضي الله عن أبي بكر، إذ وقف عقب استخلافه ليضع المنهج السوي الذي يستقيم عليه أمر الراعي والرعية، فقال: وُليِّت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.

يجب أن يكون تغيير المنكر بداية الدين. قال عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.

الغِلظة واللِّين في الأمر والنهي: ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]. وتختلف الحكمة حسب حال المأمور والمنهي، وما يؤمر به أو ينهى عنه، وما يكون أنفع وأبلغ في الزجر، فتارة ينبغي استعمال اللين في القول والمجاملة والمداراة، وتارة لا تصلح إلا القسوة والغلظة.

ولذلك كان من يأمر وينهى لا بد فيه من صفات، أهمها: الرفق، والحلم، والعدل، والعلم.

كرامة لا ذلة: ليس فيما ينال المسلم من أذى في سبيل أمره ونهيه ذلة أو مهانة، وإنما هي عزة وشرف ورفعة في الدنيا والآخرة، وشهادة في سبيل الله عز وجل، بل أعظم شهادة.

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر". رواه أبو داود والترمذي.

يجب على المسلم أن ينكر المنكر إذا كان ظاهراً وشاهَدَهُ ورآه، دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً". فإذا داخله ريبة وشك في منكر خفي مستور عنه، فإنه لا يتعرض له ولا يفتش عنه، لأن هذا النوع هو من التجسس المنهي عنه. ويقوم مقام الرؤية علمه بالمنكر، وتحققه عن وقوعه ومعرفة موضعه، كما إذا أخبره ثقة بذلك، أو كانت هنالك قرائن تجعل الظن غالباً بوجود المنكر، ففي هذه الحالة يجب عليه الإنكار بالطريقة المناسبة التي تكفل القضاء على المنكر، واستئصال جذور الشر والفساد من المجتمعات.

لا إنكار لما اختُلِفَ فيه: لقد قرر العلماء أن الإنكار يكون لفعلٍ ما أجمع المسلمون على تحريمه، أو ترك ما أجمعوا على وجوبه، كشرب الخمر والتعامل بالربا وسفور النساء ونحو ذلك، أو ترك الصلاة أو الجهاد ونحو ذلك أيضاً.

أما ما اختلف العلماء في تحريمه أو وجوبه فلا ينكر على فعله أو تركه، شريطة أن يكون هذا الاختلاف ممن يعتد بهم من العلماء، وأن يكون ناشئاً عن دليل.

عموم المسؤولية وخصوصها: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب الأمة جمعاء، فكل مسلم علم بالمنكر وقدر على إنكاره وجب عليه ذلك على الوجه الذي علمت، لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، أو عالم وعامي. ولكن هذه المسؤولية تتأكد على صنفين من الناس، وهما: العلماء والأمراء.

أما العلماء: فلأنهم يعرفون من شرع الله تعالى ما لا يعرفه غيرهم من الأمة، ولما لهم من هيبة في النفوس واحترام في القلوب، مما يجعل أمرهم ونهيهم أقرب إلى الامتثال وأدعى إلى القبول.

والخطر الكبير عندما يتساهل علماء الأمة بهذه الأمانة التي وضعها الله تعالى في أعناقهم، روى أبو داود والترمذي واللفظ له، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون". فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، فقال: "لا والذي نفسي بيده، حتى تأطروهم على الحق أطراً ". أي تحملوهم عليه وتحبسوهم وتعطفوهم وتردوهم إليه.

وأما الأمراء: أي الحكام، فإن مسؤوليتهم أعظم، وخطرهم إن قصروا في الأمر والنهي أكبر، لأن الحكام لهم ولاية وسلطان، ولديهم قدرة على تنفيذ ما يأمرون به وينهَون عنه وحمل الناس على الامتثال، ولا يخشى من إنكارهم مفسدة، لأن القوة والسلاح في أيديهم والناس ما زالوا يحسبون حساباً لأمر الحاكم ونهيه.

فإذا قصر الحاكم في الأمر والنهي طمع أهل المعاصي والفجور، ونشطوا لنشر الشر والفساد، دون أن يراعوا حرمة أو يقدسوا شرعاً، ولذا كان من الصفات الأساسية للحاكم الذي يتولى الله تأييده ونصرته، ويثبت ملكه ويسدد خطته، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

فإذا أهمل الحكام هذا الواجب العظيم فقد خانوا الأمانة التي وضعها الله تعالى في أعناقهم، وضيعوا الرعية التي استرعاهم الله تعالى عليها.

من آداب الآمر والناهي: أن يكون ممتثلاً لما يأمر به، مجتنباً لما ينهى عنه، حتى يكون لأمره ونهيه أثر في نفس من يأمره وينهاه، ويكون لفعله قبول عند الله عز وجل، فلا يكون تصرفه حجة عليه توقعه في نار جهنم يوم القيامة.

النية والقصد في الأمر والنهي: ينبغي أن يكون الحامل على الأمر والنهي هو ابتغاء رضوان الله تعالى وامتثال أمره، لا حب الشهرة والعلو وغير ذلك من الأغراض الدنيوية. فالمؤمن يأمر وينهى غضباً لله تعالى إذا انتهكت محارمه، ونصيحة للمسلمين ورحمة بهم إذا رأى منهم ما يُعَرِّضهم لغضب الله عز وجل وعقوبته في الدنيا والآخرة، وإنقاذاً لهم من شر الويلات والمصائب عندما ينغمسون في المخالفات وينقادون للأهواء والشهوات. يبتغي من وراء ذلك كله الأجر والمثوبة عند الله سبحانه، ويقي نفسه من أن يناله عذاب جهنم إن هو قصر في أداء الواجب، وترك الأمر والنهي.

العبودية الحقة: قد يكون الباعث لدى المؤمن على الأمر والنهي إجلاله البالغ لعظمة الله سبحانه، وشعوره أنه أهل لأن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا ينسى، ويُشكر فلا يكفر. ويزكي ذلك في نفسه محبته الصادقة لله عز وجل، التي تمكنت من قلبه وسرت في آفاق روحه سريان الدم في العروق، ولذلك تجده يؤثر أن يستقيم الخلق ويلتزموا طاعة الحق، وأن يفتدي ذلك بكل غال ونفيس يملكه، بل حتى ولو ناله الأذى وحصل له الضرر، يتقبل ذلك بصدر رحب، وربما تضرع إلى الله عز وجل أن يغفر لمن أساء إليه ويهديه سواء السبيل. وهذه مرتبة لا يصل إليها إلا من تحققت في نفسه العبودية الخالصة لله عز وجل، وانظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد آذاه قومه وضربوه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

الحديث الخامس والثلاثون:

أخُوَّةُ الإِسلامِ وحُقوقُ المُسْلِم

أهمية الحديث

مفردات الحديث

المعنى العام :(1-النهي عن الحسد 2-النهي عن النجش 3-النهي عن التباغض 4-النهي عن التدابر 5-النهي عن البيع على البيع 6-الأمر بنشر التآخي 7-واجبات المسلم نحو أخيه 8-التقوى مقياس التفاضل وميزان الرجال 9-حرمة المسلم ما يستفاد من الحديث )

عن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسوُل الله صلى الله عليه وسلم : "لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوَاناً، المُسْلمُ أَخُو المُسْلمِ: لا يَظْلِمُهُ، ولا يَكْذِبُهُ، ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى ههُنا - ويُشِيرُ إلى صَدْرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمِ، كُلُّ المُسْلِمِ على الْمسْلِم حَرَامٌ: دَمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ" رواه مسلم.

أهمية الحديث:

لا يقتصر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتأكيد الأخوة الإسلامية على رفعها كشعار، بل يحيطها بأوامر ونواهٍ تجعلها حقيقة ملموسة بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا الحديث اشتمل على أحكام كثيرة وفوائد عظيمة لبلوغ هذه الغاية الإسلامية النبيلة، وحمايتها من كل عيب أو خلل حتى لا تصبح الأخوة كلاماً يهتف به الناس، وخيالاً يحلمون به ولا يلمَسُون له في واقع حياتهم أي أثر، ولذلك قال النووي في " الأذكار" عن هذا الحديث: وما أعظم نفعه، وما أكثر فوائده.

مفردات الحديث:

"لا تحاسدوا": أي لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض.

"لا تناجشوا": والنجش في اللغة: الخداع أو الارتفاع والزيادة. وفي الشرع: أن يزيد في ثمن سلعة ينادي عليها في السوق ونحوه ولا رغبة له في شرائها، بل يقصد أن يضر غيره.

"لا تدابروا": لا تتدابروا، والتدابر: المصارمة والهجران.

"لا يخذله": لا يترك نصرته عند قيامه بالأمر بالمعروف أو نهيه عن المنكر، أو عند مطالبته بحق من الحقوق، بل ينصره ويعينه ويدفع عنه الأذى ما استطاع.

"لا يكذبه": لا يخبره بأمر على خلاف الواقع.

"لا يحقره": لا يستصغر شأنه ويضع من قدره.

"بحسب امرئ من الشر": يكفيه من الشر أن يحقر أخاه، يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب.

"وعرضه": العرض هو موضع المدح والذم من الإنسان.

المعنى العام:

النهي عن الحسد:

تعريفه: الحسد لغة وشرعاً: تمني زوال نعمة المحسود، وعودها إلى الحاسد أو إلى غيره. وهو خُلُقٌ ذميم مركوز في طباع البشر، لأن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل.

حكمه: أجمع الناس من المشرعين وغيرهم على تحريم الحسد وقبحه.

حكمة تحريمه: أنه اعتراض على الله تعالى ومعاندة له، حيث أنعم على غيره، مع محاولته نقض فعله تعالى وإزالة فضله.

أقسام أهل الحسد:

قسم يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل.

وقسم آخر من الناس، إذا حسد غيره لم يبغ على المحسود بقول ولا بفعل.

وقسم ثالث إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإبداء الإحسان إليه والدعاء له ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحنته، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

النهي عن النجش:

تعريفه: تضمن الحديث النهي عن النجش، وهو أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه، ولا رغبة له في شرائها، بل يقصد أن يضر غيره.

وحكمه: حرام إجماعاً على العالم بالنهي، سواء كان بمواطأة البائع أم لا، لأنه غش وخديعة، وهما محرمان، ولأنه ترك للنصح الواجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، وفي رواية:"من غشَّ ". [رواه مسلم].

أما حكم عقد البيع من النجش: فقد اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال: إنه فاسد، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه. وأكثر الفقهاء على أن البيع صحيح مطلقاً، إلا أن مالكاً وأحمد أثبتا للمشتري الخيار إذا لم يعلم بالحال وغُبِنَ غبناً فاحشاً يخرج عن العادة، فإن اختار المشتري حينئذ الفسخ فله ذلك، وإن أراد الإمساك فإنه يحط ما غبن به من الثمن.

النهي عن التباغض:

تعريفه: البغض هو النفرة من الشيء لمعنى فيه مستقبح، ويرادفه الكراهة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى، فإن المسلمين إخوة متحابون، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

حكمه: وهو لغير الله حرام.

تحريم ما يوقع العداوة والبغضاء: حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، فحرم الخمر والميسر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة: 91] وحَرَّم الله المشي بالنميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، ورَخَّصَ في الكذب في الإصلاح بين الناس.

النهي عن التدابر: التدابر هو المصارمة والهجران، وهو حرام إذا كان من أجل الأمور الدنيوية، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم _ في البخاري ومسلم عن أبي أيوب _ "لا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

أما الهجران في الله، فيجوز أكثر من ثلاثة أيام إذا كان من أجل أمر ديني، وقد نص عليه الإمام أحمد، ودليله قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا في عزوة تبوك، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرانهم خمسين يوماً، تأديباً لهم على تخلفهم، وخوفاً عليهم من النفاق. تنظر القصة كاملة في السيرة.

كما يجوز هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى الأهواء والمبادئ الضالة. ويجوز هجران الوالد لولده، والزوج لزوجته، وما كان في معنى ذلك تأديباً، وتجوز فيه الزيادة على الثلاثة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً.

النهي عن البيع على البيع: وقد ورد النهي عنه كثيراً في الحديث، وصورته أن يقول الرجل لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو خيار الشرط: افسخ لأبيعك خيراً منها بمثل ثمنها، أو مثلها بأنقص، ومثل ذلك الشراء على الشراء، كأن يقول للبائع: افسخ البيع لأشتري منك بأكثر، وقد أجمع العلماء على أن البيع على البيع والشراء على الشراء حرام.

قال النووي: وهذا الصنيع في حالة البيع والشراء، صنع آثم، منهي عنه.

أما السوم على السوم: فهو أن يتفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع، وقبل أن يعقداه يقول آخر لصاحبها: أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب: أنا أبيعك خيراً منها بأقل ثمناً، فهو حرام كالبيع على البيع والشراء على الشراء، ولا فرق في هذا بين الكافر والمؤمن، لأنه من باب الوفاء بالذمة والعهد.

والحكمة في تحريم هذه الصورة ما فيها من الإيذاء والإضرار، وأما بيع المزايدة وهو البيع ممن يزيد فليس من المنهي عنه، لأنه قبل الاتفاق والاستقرار، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض بعض السلع وكان يقول: "من يزيد ؟".

الأمر بنشر التآخي: يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنشر التآخي بين المسلمين فيقول: "وكونوا عباد الله إخواناً "، أي اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً من ترك التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر وبيع بعضكم على بعض، وتعاملوا فيما بينكم معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب. ولا تنسوا أنكم عباد الله، ومن صفة العبيد إطاعة أمر سيدهم بأن يكونوا كالإخوة متعاونين في إقامة دينه وإظهار شعائره، وهذا لا يتم بغير ائتلاف القلوب وتراص الصفوف، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 62-63].

ولابد في اكتساب الأخوة من أداء حقوق المسلم على المسلم، كالسلام عليه، وتشميته إذا عطس، وعيادته إذا مرض، وتشييع جنازته، وإجابة دعوته، والنصح له.

ومما يزيد الأخوة محبة ومودة الهدية والمصافحة، ففي الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تهادَوا فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر" أي غشه وحقده.

واجبات المسلم نحو أخيه:

تحريم ظلمه : فلا يُدخل عليه ضرراً في نفسه أو دينه أو عرضه أو ماله بغير إذن شرعي، لأن ذلك ظلم وقطيعة محرَّمة تنافي أخوة الإسلام.

تحريم خذلانه: الخذلان للمسلم محرم شديد التحريم، لا سيما مع الاحتياج والاضطرار قال الله تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ} [الأنفال: 72] وروى أبو داود: "ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب نصرته".

والخذلان المحرم يكون دنيوياً، كأن يقدر على نصرة مظلوم ودفع ظالمه فلا يفعل. ويكون دينياً، كأن يقدر على نصحه عن غيه بنحو وعظ فلا يفعل.

تحريم الكذب عليه أو تكذيبه: ومن حق المسلم على المسلم أن يصدق معه إذا حدثه، وأن يصدقه إذا سمع حديثه، ومما يُخِلّ بالأمانة الإسلامية أن يخبره خلاف الواقع، أو يحدثه بما يتنافى مع الحقيقة، وفي مسند الإمام أحمد عن النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كَبُرَت خيانة أن تُحَدِّث أخاك حديثاً هو لك مُصَدِّقٌ وأنت به كاذب".

تحريم تحقيره: يحرم على المسلم أن يستصغر شأن أخيه المسلم وأن يضع من قدره، لأن الله تعالى لما خلقه لم يحقره بل كرمه ورفعه وخاطبه وكلفه، فاحتقاره تجاوز لحد الربوبية في الكبرياء، وهو ذنب عظيم. والاحتقار ناشئ من الكبر.

التقوى مقياس التفاضل وميزان الرجال: التقوى هي اجتناب عذاب الله بفعل المأمور وترك المحظور، والله سبحانه وتعالى إنما يكرم الإنسان بتقواه وحسن طاعته، لا بشخصه أو كثرة أمواله. فالناس يتفاوتون عند الله في منازلهم حسب أعمالهم، وبمقدار ما لديهم من التقوى.

ومكان التقوى: القلب، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [ الحج: 32]. وإذا كانت التقوى في القلوب فلا يطلع أحد على حقيقتها إلا الله. كما أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع في القلب من عظيم خشية الله ومراقبته.

فقد يكون كثير ممن له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا قلبه خراب من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبه مملوء من التقوى، فيكون أكرم عند الله تعالى، ولذلك كان التحقير جريمة كبرى، لأنه اختلال في ميزان التفاضل وظلم فادح في اعتبار المظهر، وإسقاط التقوى التي بها يوزن الرجال.

حرمة المسلم: للمسلم حرمة في دمه وماله وعرضه، وهي مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها في المجامع العظيمة، فإنه خطب بها في حجة الوداع: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم الثاني من أيام التشريق وقال: "إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ...".

وهذه هي الحقوق الإنسانية العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم الآمن، حيث يشعر المسلم بالطمأنينة على ماله، فلا يسطو عليه لص أو يغتصبه غاصب، والطمأنينة على عرضه، فلا يعتدي عليه أحد، وحفاظاً على ذلك كله شرع الله تعالى القصاص في النفس والأطراف، وشرع قطع اليد للسارق، والرجم أو الجلد للزاني الأثيم.

ومن كمال الحفاظ على حرمة المسلم عدم إخافته أو ترويعه، ففي سنن أبي داود : أخذ بعض الصحابة حَبْلَ آخرَ ففزع، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يُرَوع مسلماً "، وروى أحمد وأبو داود والترمذي: " لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعباً ولا جاداً ". وفي البخاري ومسلم: "لا يتناجى اثنان دون الثالث فإنه يُحزنه" وفي رواية: "فإن ذلك يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن".

ما يستفاد من الحديث:

أن الإسلام ليس عقيدة وعبادة فحسب، بل هو أخلاق ومعاملة أيضاً.

الأخلاق المذمومة في شريعة الإسلام جريمة ممقوتة.

النية والعمل هي المقياس الدقيق الذي يزن الله به عباده، ويحكم عليهم بمقتضاه.

القلب هو منبع خشية الله والخوف منه.

No comments:

Post a Comment